للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنكرات، وتحريم بعض الطيبات فقها واستنباطا من التوراة، والكل متفقون على أنّه لا خالق إلّا الله ولا رازق إلّا هو. {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: وإنّكم لتعلمون بطلان ذلك، وإنّكم إذا سئلتم من رزقكم من السموات والأرض؟ ومن يدبّر الأمر؟ تقولون: الله، فلم إذا تدعون غيره وتستشفعون به؟. ومن أين أتيتم بهذه الوسائط التي لا تضرّ ولا تنفع؟ ومن أين جاءكم أنّ التقرب إلى الله يكون بغير ما شرعه الله حتى قلتم: {ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى}.

وقرأ زيد بن عليّ، ومحمد بن السميفع (١): {ندا} على التوحيد، وهو مفرد في سياق النهي، فالمراد به: العموم، إذ ليس المعنى: فلا تجعلوا لله ندّا واحدا، بل أندادا.

٢٣ - ولمّا احتجّ سبحانه وتعالى، عليهم في إثبات توحيد الألوهية والربوبيّة بما تقدم، احتجّ عليهم في إثبات نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بما قطع عذرهم، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ} أيّها الناس {فِي رَيْبٍ} وشكّ {مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا} أي: في كون القرآن المعجز الذي نزلناه على عبدنا ورسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وحيا منزّلا من عند الله تعالى، أو مفترى من عند نفسه. والتنزيل (٢): هو النزول على سبيل التدريج، وأنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا إلى بيت العزّة، ثمّ منه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مفرّقا منجما في ثلاث وعشرين سنة؛ ليحفظ، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم كان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب، ففرّق عليه؛ ليثبت عنده حفظه، بخلاف غيره من الأنبياء، فإنّه كان كاتبا قارئا، فيمكنه حفظ الجميع من الكتاب، ولذا قالوا: إنّ سائر الكتب الإلهية أنزلت جملة.

وفي إضافة العبد إليه تعالى: تنبيه على عظم قدره صلّى الله عليه وسلّم واختصاصه بخالص العبودية ورفع محلّه. وإضافته إلى نفسه تعالى واسم العبد عامّ وخاصّ، وما هنا من الخاص، كقوله:

لا تدعني إلّا بيا عبدها ... لأنّه أشرف أسمائي


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.