للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن قرأ {على عبادنا} بالجمع، فقيل: يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمّته، قاله الزمخشري، ذكره في «البحر»؛ لأنّ المكذّب لمحمد مكذّب لأمته، لأنّهم تبعه.

وقوله: {فَأْتُوا} جواب الشرط، وهو أمر تعجيز {بِسُورَةٍ} واحدة كائنة {مِنْ مِثْلِهِ}؛ أي: من مثل هذا القرآن الذي نزلناه على عبدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم في البلاغة، والفصاحة، والبيان الغريب، وعلوّ الطبقة في حسن النظم، والتركيب، والإخبار عن المغيّبات؛ أي: فهاتوا وجيئوا بسورة واحدة مماثلة له فيما ذكر، فأنتم بشر فصحاء مثله، هذا إن جرينا على أنّ الضمير في {مِثْلِهِ} عائد على ما نزلنا، وهو المتبادر.

والمعنى: أي (١) ائتوا أنتم بمثل ما أتى هو، إن كان الأمر كما زعمتم من كونه كلام البشر، إذ أنتم وهو سواء في الجوهر، والخلقة، واللسان، وليس هو أولى بالاختلاق منكم. ثمّ القرآن وإن كان لا مثل له؛ لأنّه صفة الله وكلامه ووحيه، ولا مثل لصفاته، كما لا مثل لذاته، لكن معناه من مثله على زعمكم، فقد كانوا يقولون: لو شئنا لقلنا مثل هذا، كما في «التيسير».

ويحتمل (٢) عود الضمير على {عَبْدِنا}، والمعنى حينئذ: فهاتوا بسورة واحدة واقعة من بشر مماثل لعبدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم في كونه عربيّا فصيحا. وحدّ السورة: هي قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر، مترجم عنها باسم خاصّ، أقلّها ثلاث آيات. وإنّما سميت سورة؛ لكونها أقوى من الآية من سورة الأسد والشراب؛ أي: قوته. والآية قطعة من السورة مميزا بفصل يسمّى الفاصلة، هذا إن كان واوها أصلية، وإن كانت منقلبة عن همزة، فهي مأخوذة من السؤر الذي هو البقية من الشيء، فالسورة قطعة من القرآن مفرزة باقية من غيرها.

قال القاضي زكريا: إن قلت: لم ذكرت {مِنْ} هنا، وحذفت في سورتي: يونس وهود؟

قلت: لأنّ {مِنْ} هنا للتبعيض، أو للتبيين، أو زائدة على قول الأخفش:


(١) روح البيان.
(٢) العمدة.