للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما أفاء الله على رسوله منهم، فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين.

والمعنى (١): أي ما صيره الله إلى رسوله من أموال بني النضير .. فهو لله ورسوله، ولا يجعل غنيمة للجيش يقسم تقسيم الغنائم؛ لأنه لم تقاتل فيه الأعداء بالمبارزة والمصاولة، بل نزلوا على حكم الرسول فرقًا ورعبًا، ولهذا: يصرف في وجوه البرّ والمنافع العامة التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات.

أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وغيرهم عن عمر بن الخطاب قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله تعالى).

{وَلَكِنَّ اللَّهَ} سبحانه؛ أي: ولكن جرت سنة الله تعالى بأن {يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} من أعدائه، ويقذف الرعب في قلوبهم، فيستسلمون لهم بلا قتال، ولا مصاولة، ما سلط محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على هؤلاء، فنزلوا على حكمه دون اقتحام مضايق الخطوب ولا مقاومة شدائد الحروب، فلا حق للمقاتلة في الفيء، بل يكون أمره مفوضًا إلى الرسول، يصرفه كيف شاء ولا يقسمه تقسيم الغنائم. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه {قَدِيرٌ} فيفعل ما يشاء كما يشاء، تارة على ما يعهد من السنن، وأخرى على غير ما يعهد منها، كما جرى لبني النضير من استسلامهم بلا قتال، على مناعة حصونهم وكثرة عددهم وعُددهم من سلاح وكراع، وما كان المسلمون يظنون أن هذا سيكون.

وبعد أن أتمّ الكلام في إجلاء بني النضير وفيئهم أعقبه بالكلام في حكم ما أفاء الله على رسوله من قرى الكفار عامة،

٧ - فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ} سبحانه ورده {عَلَى رَسُولِهِ} - صلى الله عليه وسلم - {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}؛ أي: من أموال الكفار أهل القرى. قال ابن عباس: هي قريظة، والنضير، وفدك، وخيبر وقرى عرينة، وينبع. وهذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان إفاءته على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يكون للمقاتلة فيه حق، ولذا لم يعطف عليه، كأنه لما قيل: ما أفاء على رسوله من أموال بني النضير


(١) المراغي.