شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة، فلا يقسم قسمة الغنائم. قيل: فكيف يقسم؟ فقيل: ما أفاء الله .. إلخ. قال في "برهان القرآن": قوله: {وَمَا أَفَاءَ}، وبعده {مَا أَفَاءَ اللَّهُ} بغير واو؛ لأن الأول معطوف على قوله:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}، والثاني استئناف لبيان مصارف مطلق الفيء، وليس له به تعلق. وقول من قال: بدل من الأولى، مزيف عند أكثر المفسرين، انتهى. وإعادة عين العبارة الأولى لزيادة التقرير والتأكيد. ووضع أهل القرى موضع قوله:{مِنْهُمْ} أي: من بني النضير؛ للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم، بل هو حكم عام على كل قرية يفتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلحًا، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
والمعنى: ما رده الله سبحانه على رسوله من كفار أهل القرى، كقريظة، والنضير، وفدك، وخيبر، يصرف في وجوه البرّ والخير، ولا يقسم تقسيم الغنائم؛ أي: لا تعطى أربعة أخماسه للمقاتلة؛ لأن القتال ليس موجودًا في الفيء، بل يخمس الفيء كالغنائم أيضًا، ولكن يصرف أربعة أخماسه في مصالح المسلمين، من سد الثغور، وحفر الأنهار، وبناء القناطر، والمدارس والمساجد، يقدم الأهم فالأهم. وأما الخمس الباقي: فيخمس أيضًا، فتصرف أخماسه في المصارف المذكورة بقوله:{فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}؛ أي: يصرف خمس الخمس لله وللرسول يأمران فيه بما أحبّا. وذكر الله للتشريف والتعظيم والتبرك. والمراد: يصرف هذا الخمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق منه أهل بيته قوت سنة، وما بقي في مصالح المسلمين من السلاح والكراع.
وقال الواحدي في تفسيره "الوجيز على القرآن العزيز": وكان الفيء يخمس خمسة أخماس، فكانت أربعة أخماسه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل فيها ما يشاء، والخمس الباقي يقسم بين المذكورين في هذه الآية. فأما اليوم فما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الفيء يصرف إلى أهل الثغور والمترصدين للقتال في أحد قولي الشافعي، انتهى.
والمراد: أن للرسول من الفيء خمس، والأربعة الأخماس، يعني: أن لهؤلاء الأصناف المذكورة هنا أربعة أخماس الخمس والباقي للرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وهو أربعة أخماس الفيء وخمس الخمس، وبعده - صلى الله عليه وسلم - أربعة أخماس الفيء للمرتزقة، وخمس الخمس لمصالحنا. اهـ. "شيخنا" انتهى من "الفتوحات".