للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العيش ونحوه {وَأَبْقَى} وأدوم وأكثر بقاءً؛ لأنه لا أمد له ولا نهاية ولا انقطاع، فمن أراد أن ينجو من عذاب الله، وينال ثوابه .. فعليه أن يصبر على الشدائد في الدنيا في طاعة الله، ويجتنب المعاصي وشهوات الدنيا، فإن الجنة قد حُفّت بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات، كما ورد في الحديث.

١٢٨ - وجملة قوله: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} مستأنفة لتقرير ما قبلها، و (الهمزة) (١) فيها للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على محذوف، و (الفاء): عاطفة على ذلك المحذوف، والهداية هنا: بمعنى التبين، من هدى بمعنى: اهتدى، فهو لازم، والفاعل: المصدر المأخوذ من {أَهْلَكْنَا} من غير سابك لإصلاح المعنى؛ لأن ذلك جائز كثير في كلامهم، وضمير {لَهُمْ} للمشركين المعاصرين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقرون: جمع قرن وهم القوم المقترنون في زمن واحد، والتقدير: أغفل هؤلاء المشركون فلم يتبين لهم إهلاكنا كثيرًا من القرون قبلهم، حين كذبوا رسلهم، كعاد، وثمود، وقوم لوط، فيعتبروا بهذا الإهلاك، فيرجعوا عن تكذيب الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرًا يعود على الله، ويؤيده القراءة بالنون، والهداية: من هدى المتعدي، فمفعوله محذوف، والتقدير: أجهل هؤلاء المشركون مآل أمرهم، فلم يبين الله سبحانه لهم خبر من {أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} حال كون القرون {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} ويتقلبون في ديارهم في أمن وراحة، أو حالة كون هؤلاء المشركين يمشون في مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة، وطلب المعيشة، فيرون بلاد الأمم الماضية، والقرون الخالية، خاويةً خاربةً، من أصحاب الحجر، وثمود، وقرى قوم لوط، فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم، لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك، وقرأ الجمهور (٢): {يَهْدِ} بالياء، وقرأت فرقة - منهم ابن عباس والسلمي -: {أفلم نهد} بالنون، والمعنى على هذه القراءة: واضح والتقدير: أفلم نبين لأهل مكة بيانًا يهتدون به، كثرة من


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.