للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: شرفكم، فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب، فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم، وصاروا عيالًا عليهم، حتى يقفوا على معانيه من أمر ونهي، وأنباء وقصص، وحكمة وأدب.

وروى الترمذي عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن هذا الأمر في قريش، لا ينازعهم فيه أحد، إلا أكبه الله تعالى على وجهه، ما أقاموا الدين"، وفي الآية، إيماء إلى أن الذكر الجميل، والثناء الحسن، أمر مرغوب فيه، ولولا ذلك ما امتن الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - به، ولما طلبه إبراهيم عليه السلام بقوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)} وقال ابن دريد:

إِنَّمَا الْمَرْءُ حَدِيْثٌ بَعْدَهُ ... كُنْ حَدِيْثًا حَسَنًا لِمَنْ وَعَى

وقال المتنبي:

ذِكْرُ الْفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِيْ وَحَاجَتُهُ ... مَا قَاتَهُ وَفُضُوْلُ الْعَيْشِ أَشْغَالُ

وخلاصة ما سلف: أن القرآن نزل بلغة العرب، وقد وعد الله بنشر هذا الدين، وأبناء العرب هم العارفون بهذه اللغة، فهم الملزمون بنشرها، ونشر هذا الدين للأمم الأخرى، فمتى قصروا في ذلك، أذلهم الله تعالى في الدنيا، وأدخلهم النار في الآخرة، فعسى أن يقرأ هذا أبناء العرب، ويعلموا أنهم هم المعلمون للأمم، فينشروا هذا القرآن، ويكتبوا المصاحف باللغة العربية، ويضعوا على هوامشها تفاسير بلغات مختلفة، كالإنجليزية والألمانية والروسية والأرومية، تعرِّف الأمم كلها هذا الدين، معرفةً حقةً خاليةً من الخرافات، التي ألصقها به المبتدعون ويعود سيرته الأولى، وما ذلك على الله بعزيز.

٤٥ - ثم وبخ مشركي قريش، بأن ما هم عليه من عبادة الأوثان والأصنام، لم يأت في شريعة من الشرائع فقال: {وَاسْأَلْ} يا محمد {مَنْ أَرْسَلْنَا} في محل النصب على أنه مفعول {اسأل}، وهو على حذف المضاف. لاستحالة السؤال من الرسل حقيقةً، والمعنى: واسأل أمم من أرسلنا {مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} وعلماء دينهم.