والخلاصة: أنَّ الإمامة والنبوة لا ينالها من دنس نفسه، ودسّاها بالظلم، وقبيح الخلال، وإنّما ينالها من شرفت خلاله، وكملت أخلاقه، وصفت نفسه؛ لأنَ أهمَّ أعمال الإِمام رفع الظلم والفساد، حتى ينتظم العمران، وتَسُود السكينةُ بين الناس.
١٢٥ - {و} اذكر يا محمد! لقومك قصة {إذ جعلنا البيت}؛ أي: الكعبة، أو جميع الحرم، فإنَّه تعالى وصفه بكونه آمنًا، وهذا صفة جميع الحرم {مَثَابَةً} أي: مرجعًا ومعادًا {لِلنَّاسِ} يعودون إليه، ويقضون منه وطرًا، كلما انصرفوا اشتاقوا إليه، فإنّهم يثوبون إليه كل عام بأعيانهم، وبأمثالهم، كما قاله الحسن، أو المراد: لا ينصرف عنه أحد إلّا وهو يتمنّى العود إليه، كما قاله ابن عباس ومجاهد، أو المعنى: جعلنا الكعبة موضع ثواب، يثابون بحجِّهِ واعتماره، وعبارة "الروح" هنا: أي: (١) واذكر يا محمد! لقومك قصة وقت تصييرنا الكعبة المعظَّمة {مَثَابَةً} كائنةً للناس؛ أي: مباءةً، ومرجعًا للحجَّاج والمعتمرين، يتفرَّقون عنه، ثم يثوبون إليه؛ أي: يرجع إليه أعيان الذين يزورونه بأن يحجوه مرّةً بعد أخرى، أو يرجع أمثالهم وأشباههم في كونهم وفد الله، وزوار بيته، فإنَّهم لما كانوا أشباهًا للزائرين أوَّلًا، كان ما وقع منهم من الزيارة ابتداءً بمنزلة عود الأوَّلين، فتعريف الناس؛ للعهد الذهنيِّ، وهم الزوار؛ أو للاستغراق، كما سيأتي، والتاء في {مثابة}؛ للمبالغة لكثرة ما يثوب إليه، قاله الأخفش؛ أو لتأنيث المصدر؛ أو لتأنيث البقعة، كما يقال: مقامٌ ومقامةٌ، قال الشاعر: