للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إمامة الكل، وإن كانوا على الحق، وقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} عطفٌ على الكاف في {جَاعِلُكَ} و {من} تبعيضية متعلِّقة بجاعل؛ أي: وجاعل بعض ذريتي إمامًا يقتدى به؛ أي: اجعل، لكنَّه راعى الأدب بالاحتراز عن صورة الأمر. وقرأ زيد بن ثابت {ذُرِّيَّتِي} بكسر الذال. وقرأ أبو جعفر بفتحها وليست في المتواتر عنه. وقرأ الجمهور بالضمّ، وهي لغاتٌ فيها، وقوله: {قَالَ لَا يَنَالُ} كلام مستأنف أيضًا واقعٌ في جواب سؤال مقدّر، كأنّه قيل: فماذا قال الرب جلَّ جلاله؟ فأجيب: {قال} الله سبحانه وتعالى لإبراهيم {لَا يَنَالُ} ولا يصيب {عَهْدِي}؛ أي: لا يصل ما عهدته، ووعدته لك من الإمامة، والنبوة في أولادك إلى {الظَّالِمِينَ} والكافرين منهم، يعني: أنّ أولادك منهم مسلمون، وكافرون، فلا تصل الإمامة والاستخلاف بالنبوة الذي عهدت إليك من كان ظالمًا من أولادك، وغيرهم، وإنما ينال عهدي من كان بريئًا من الظلم؛ لأنَّ الإِمام لمنع الظلم، فكيف يجوز أن يكون ظالمًا؟! وإن جاز، فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب الغنم ظلم.

ودلَّت الآية بمفهومها على أنّه ينالها ويصيبها غير الظالم؛ يعني: من كان ظالمًا من أولادك، لا يكون إمامًا وقدوة للناس؛ لأنّ الإمامة في أوليائه لا في أعدائه. وقرأ قتادة والأعمش وأبو رجاء {الظالمون} بالرفع على الفاعلية و {عَهْدِي} مفعول به؛ لأنّ العهد يَنال كما يُنال، أي: عهدي لا يصل إلى الظالمين، أو لا يصل الظالمون إليه، ولا يُدْرِكُونَهُ، ومعنى: عهدي نبوّتي، وفي هذا دليلٌ على عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر. وفي (١) ذكر الظلم مانعًا من الإمامة، تنفيرٌ لذرية إبراهيم منه، وتبغيضٌ لهم فيه ليتحاموه، ويُنَشِّئُوا أولادهم على كراهته كيلا يَقَعُوْا فيه ويُحرَموا من هذا المنصب العظيم الذي هو أعلى المناصب وأشرفها، كما هو تنفيرٌ من الظالمين، وعن مخالطتهم، فالإمامة الصالحة لا تكون إلّا لذوي النفوس الفاضلة التي تَسوق صاحبهَا إلى خير العمل، وتَزَعُهُ عن الشرورِ والآثام، ولا حظَّ للظالمين في شيء من هذا.


(١) المراغي.