ما يراد بهم؛ لأنّهم كانوا إذا أتوا بجرم، أو أقدموا على ذنب .. فتح الله عليهم من أبواب الخير والنعمة في الدنيا، فيزدادون بذلك تماديا في الغي والضلال، ويتدرجون في الذنوب والمعاصي، فيأخذهم الله أخذة واحدة أغفل ما يكونون عليه، والمعنى: أي: والذين كذبوا بآيات الله، ولم يؤمنوا بها سندعهم ونتركهم يسترسلون ويستمتعون في غيهم وضلالهم، لا يدرون شيئا من عاقبة أمرهم لجهلهم سنن الله تعالى في المنازعة بين الحق والباطل، وأن الحق يدفع الباطل، وما ينفع الناس يتغلب على ما يضرهم، كما قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} وقال: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً}.
وقد صدق الله وعده، فقد كان كفار قريش وصناديدها يبالغون في عداوة النبي صلى الله عليه وسلّم اغترارا بكثرتهم وثروتهم، لا يعتدون به ولا بغيره ممن آمن به أولا، وأكثرهم من الضعفاء الفقراء، فما زالوا يتدرجون في عداوتهم له، وقتالهم إياه حتى أظهره الله تعالى عليهم في غزوة بدر، فلم يعتبروا، ثم زادهم غرورا تغلبهم عليه آخر معركة أحد، حتى قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، إلى أن كان الفتح الأعظم فتح مكة، فأظهر رسوله صلى الله عليه وسلّم ومن اتبعه عليهم من حيث لا يعلمون سننه تعالى.
وأثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لما حملت إليه كنوز كسرى: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا، فإني سمعتك تقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢)} وقرأ بعضهم: سيستدرجهم بالياء فيحتمل أن يكون الفاعل الله سبحانه، وهو التفات من التكلم إلى الغيبة، وأن يكون الفاعل ضمير التكذيب المفهوم من قوله:{كَذَّبُوا}.
١٨٣ - {وَأُمْلِي لَهُمْ}؛ أي: وأمهل لهؤلاء المكذبين المستدرجين في العمر، وأمد لهم في أسباب المعيشة، والتدرب على الحرب بمقتضى سنني في نظام الاجتماع البشري، كيدا لهم ومكرا بهم، لا حبا فيهم، ونصرا لهم، كما قال تعالى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦)} وروى الشيخان من حديث أبي موسى: «إن الله ليمد للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».