قلت: معناه بعثكم الرحمن الذي وعدكم بالبعث، وأخبركم به الرسول، وإنما جيء به على هذه الطريقة، تبكيتًا لهم وتوبيخًا. وقيل: هو من كلام الكفرة، يجيب به بعضهم على بعض. قال بالأول الفرّاء، وبالثاني مجاهد. وقال قتادة: هي من قول الله سبحانه. قال الزجاج: ويجوز أن يكون هذا إشارة إلى المرقد صفة له، ثم استأنف {ما وَعَدَ الرَّحْمنُ}، ويضمر الخبر حق؛ أي: ما وعد الرحمن حق عليكم.
٥٣ - {إِنْ كانَتْ}؛ أي: ما كانت تلك النفخة الثانية المذكورة {إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} لا ثانية لها، صاحها إسرافيل بنفخه في الصور. وقيل: صيحة البعث هو قول إسرافيل على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، والأعضاء المتمزقة، والشعور المنتشرة، إن الله المصور الخالق، يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، فاجتمعوا وهلموا إلى العرض، وإلى جبار الجبابرة. قال بعضهم: إن هذا القول، ليس غير النفخ في الحقيقة، فيجوز أن يكون المراد من أحدهما هو المراد من الآخر، أو بأن يقال ذلك أثناء النفخ، بحيث يحصل هو والنفخ معا، إذ ليس من ضرورة التكلم على الوجه المعتاد، حتى يحصل التنافي بينهما.
{فَإِذا هُمْ} بغتة من غير لبث ما طرفة عين. و {هُمْ} مبتدأ، خبره قوله:{جَمِيعٌ}؛ أي: مجموعون. وقوله:{لَدَيْنا}؛ أي: عندنا، متعلق بقوله:{مُحْضَرُونَ} للفصل والحساب؛ أي: فإذا هم مفاجأة مجموعون في المحشر، محضرون لدينا بسرعة للحساب والجزاء. وفيه من تهوين أمر البعث والحشر، والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى، كما هو عسير على الخلق يسير على الله تعالى، لعدم احتياجه إلى مزاولة الأسباب، ومعالجة الآلات كالخلق، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون.
والمعنى: أي ما كانت إعادتهم إحياء بعد مماتهم إلا نفخة واحدة، فإذا هم مجتمعون لدينا، قد أُحضروا للعرض والحساب لم يتخلف منهم أحد. ونحو الآية: {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)}، وقوله: {وَما أَمْرُ السَّاعَةِ