للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حكم الأمر، إذ الأمر باعث على الفعل، والباعث والمحضض من واد واحد. والفاء تدخل في جواب الأمر، والمعنى: ولولا أنهم قائلون إذا عُوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي: هلا أرسلت إلينا رسولًا، محتجين علينا بذلك، لما أرسلنا إليهم رسولًا، يعني أن إرسال الرسول إليهم إنما هو ليلزموا الحجة، ولا يُلزموها كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

فإن قلت: كيف (١) استقام هذا المعنى، وقد جُعلت العقوبة هي السبب في الإرسال، لا القول، لدخول لولا الامتناعية عليها دونه؟.

قلت: القول هو المقصود بأن يكون سببًا للإرسال، ولكن العقوبة لما كانت سببًا للقول، وكان وجوده بوجودها جُعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال، فأُدخلت عليها لولا، وجيء بالقول معطوفًا عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ويؤَوَّل معناها إلى قولك: ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلناك إليهم رسولًا.

وحاصل معنى الآية (٢): أي ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلناك إليهم حين يحل بهم بأسنا، ويأتيهم عذابنا على كفرهم بربهم، واجتراحهم للمعاصي قبل أن نرسلك إليهم: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولًا قبل أن يحل بنا سخطك، وينزل بنا عذابك، فنتبع أدلتك وآي كتابك التي تُنزلها عليه، ونكون من المؤمنين بألوهيتك، المصدقين برسولك .. لعاجلناهم العقوبة على شركهم، لكنا بعثناك إليهم نذيرًا ببأسنا، كما هو سنتنا في أمثالهم، كما جاء في الآية الكريمة {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

والخلاصة: أنا أزحنا العذر، وأكملنا البيان، فبعثناك أيها الرسول إليهم، وقد حكمنا بأنا لا نُعاقب عبدًا إلا بعد إكمال البيان، والحجة، وبعثة الرسل.

٤٨ - {فَلَمَّا جَاءَهُمُ}؛ أي: أهل مكة، وكفار العرب {الْحَقُّ}؛ أي: القرآن،


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.