{و} إنْ زعمتم أنَّ لي من يعينني على تأليفِهِ ووصْفِه، فـ {ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} ممن تعبدون {مِنْ دُونِ اللَّهِ} تعالى، ومِنْ سَائِرِ خلقه لِيُسَاعدوكم على الإتيان بهذه السور العشر، ولتكن مِثلَه مفترياتٍ تشملُ على مثل ما فيه من تشريع دينيٍّ، ومَدَنيٍّ، وحكم ومواعظ، وآداب، وأَنْباء غيبية إخبارًا عن ماض، وأنباء غيبية. إخبارًا عن مستقبل بمثل هذا النظام البديع، والأسلوب البالغ حَدَّ الإعجاز، والبلاغَةِ الساحِرَة للألباب، والسلطان الحَاكِم على الأنفس والأرواح {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في ادعاءِ كونِ القرآن مفترًى على الله تعالى.
والخلاصة (١): أنّ مشركي مكَّةَ المعانِدِينَ، لم يجدوا شبهةً في القرآن بعد شبهة السحر التي لم تَجِد أُذنًا صاغيةً عند العرب؛ لأنهم أربابُ الفصاحة، واللسن، فعرفوا فضله على سائر الكلام، إلا زَعْمَهُمْ أنَّ محمدًا قد افتراه جملةً، وليس بوحي من عند الله، فتحداهم بالإتيان بعشر سور مثله، في النظم والأسلوب محتويةٍ على التشريع القيم من دينيٍّ ومدَنيٍّ، وسياسيّ، وحكم، ومواعظ، وآداب، وكلَّفهم دعوةَ مَن استطاعوا من دون الله، لِيُظاهِرُوهم، ويُعَاوِنُوهم على ذلك، فعَجَزُوا, ولم يجدوا من فصحائهم من يستجيب لهم، فقامت الحُجَّةُ عليهم، وعلى غيرهم إلى يوم الدين، وهذا معنى قوله:
١٤ - {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ}؛ أي: فإن لم يستجب لكم مَنْ تَدْعونهم من دونِ الله ليعاونوكم على الإتيان بالعشر السور المُمَاثلةِ للقرآن من فحول الكتَّاب، ومَصَاقِع الخطباء، وعلماء أهلِ الكتاب العارفين أخْبارَ الأنبياء {فَاعْلَمُوا} أيها المشركون {أَنَّمَا أُنْزِلَ} هذا القرآنُ على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {بِعِلْمِ اللَّهِ}؛ أي: بمقتضَى علم الله وإرادتِه أن يبلِّغَه لعباده على لسان رسوله، ولا يقدرُ عليه محمَّد ولا غيره ممن تدعونه زورًا أنهم أعانُوه, لأنه من علم الغيب الذي لا يَعْلَمُه إلا مَنْ أعلمه الله به.
{وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}؛ أي: واعلموا أيها المشركونَ، أنه لا معبودَ بحق في