للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والقيامة. ثم بيَّن أنهم كاذبون في هذا الندم، فقال: {وَلَوْ رُدُّوا} إلى الدنيا حسبما تمنوا {لَعَادُوا}؛ أي: لرجعوا {لـ} فعل {ما نهوا عنه} من الكفر والنفاق والكيد والمكر والمعاصي، فإن ذلك من أنفسهم ثابت فيها؛ لخبث طينتهم وسوء استعدادهم، ومن ثم لا ينفعهم مشاهدة ما شاهدوا، ولا سوء ما رأوا، كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله تعالى ثم عاند {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي: متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، ولو شاهدوا ما شاهدوا؛ أي: لأن دينهم الكذب؛ لأن قضاء الله جرى عليهم في الأزل بالشرك، وقيل: المعنى: وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان؛ أي: لكاذبون فيما تضمنه تمنيهم من الوعد بترك التكذيب بآيات الله، وبالكون من المؤمنين بالله ورسوله، فلو ردوا إلى الدنيا لرُد المعاند المستكبر منهم مشتملًا بكبره وعناده، والمنافق مرتدًا بمكره ونفاقه، والشهواني ملوثًا بشهواته القابضة على زمامه. وأما ما ظهر لهم إذ وقفوا على النار من حقيقة ما جاء به الرسول، فما مثله إلا مثل ما يلوح لهم في الدنيا من الآيات والعبر، فهم يكابرون فيها أنفسهم، ويغالطون عقولهم ووجداناتهم، ألا ترى شارب الخمر والمقامر يريان ما حل بغيرهما من الشقاء، فيظهران الندم على ما فرط منهما، ويتوبان ويعزمان على أن لا يعود إلى مثل ما عملا، ثم لا يلبثان أن يرجعا سيرتهما الأولى خضوعًا لما اعتادا وألفا، وترجيحًا للذة العاجلة على المنفعة الآجلة؟

وقرأ إبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش: {ولو ردوا} بكسر على نقل حركة الدال من ردد إلى الراء؛ لأن الأصل: رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء.

وجملة قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} معترضة (١) بين المعطوف وهو: {وَقَالُوا} وبين المعطوف عليه، وهو {لَعَادُوا}؛ أي: لعادوا إلى ما نهوا عنه.

٢٩ - {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}؛ أي: ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد الموت، وهذا من شدة تمردهم وعنادهم؛ حيث يقولون هذه المقالة


(١) فتح القدير.