للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقابلتموها بالنسيان والكفران، والجواب محذوف تقديره: لأعذبنكم على ذلك الكفران، ويكون قوله: {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} تعليلًا للجواب المحذوف، وإنما (١) حذف الجواب هنا وصرح به في جانب الوعد؛ لأن من عادة الكرام التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد، فما ظنك بأكرم الأكرمين حيث لم يقل: إن عذابي لكم؛ أي: إن عذابي لشديد بحرمانكم منها، وسلبكم ثمراتها في الدنيا والآخرة، فتعذبون في الدنيا بزوالها، وفي الآخرة بعذاب لا قبل لكم به. وفي الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".

٨ - ثم بين سبحانه وتعالى أن منافع الشكران ومضار الكفران لا تعود إلا إلى الشاكر أو الكافر بتلك النعم، أما المعبود المشكور فهو متعالٍ عن أن ينتفع بالشكر، أو يضره الكفر، فلا جرم قال: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا} نعمه تعالى ولم تشكروها {أنْتُمْ} يا بني إسرائيل {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} من الثقلين {جَمِيعًا} حال من المعطوف والمعطوف عليه {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى تعليل للجواب المحذوف؛ أي: إن تكفروا لم يرجع وباله إلا عليكم، فإن الله تعالى {لَغَنِيٌّ} عن شكركم وشكر غيركم {حَمِيدٌ}؛ أي: محمود في ذاته وصفاته وأفعاله لا تفاوت له بإيمان أحد ولا كفره، وإن لم يحمده أحد، بل كل ذرة من ذرات العالم ناطقة بحمده.

والمعنى (٢): أي وإن تجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليكم ويفعل مثل فعلكم من في الأرض جميعًا، فما أضررتم بالكفر إلا أنفسكم إذ حرمتموها من مزيد الإنعام، وعرضتموها للعذاب الشديد، وإن الله غنيٌ عن شكركم وشكر غيركم، وهو المحمود وإن كفر به من كفر، وهذا كقوله: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} .. الآية، وقوله: {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

وقد يكون موسى قال هذه المقالة حين عاين منهم دلائل العناد ومخايل الإصرار على الكفر والفساد، وتيقن أنه لا ينفعهم الترغيب، ولا التعريض


(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.