بواحد من الأوصاف المذكورة، كأنه قيل: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، وبآيات ربهم يؤمنون إلخ. وإنما كرر الموصول إيذانًا باستقلال كل واحدة من تلك الصفات بفضيلة باهرة على حيالها، وتنزيلًا لاستقلالها منزلة استقلال الموصوف بها.
قال بعضهم: وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته؛ لأن المخالفة تمحى بالتوبة، والطاعة تطلب بتصحيحها، والإخلاص والصدق فيها، فإذا كان فاعل الطاعات خائفًا مضطربًا، فكيف لا يخاف غيره.
٦١ - وجملة قوله:{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ} خبر إن؛ أي: أولئك الموصوفون بما ذكر من الأوصاف المذكورة الجليلة خاصة دون غيرهم. {يسارعون}؛ أي: يبادرون {فىِ} نيل {الْخَيْرَاتِ} التى من جملتها الخيرات العاجلة الموعودة على الأعمال الصالحة، كما قال تعالى:{فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ}. وقال:{وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}؛ أي: أولئك الذين جمعوا هذه المحاسن، يرغبون في الطاعات أشد الرغبة، فيبادرونها لئلا تفوتهم إذا هم ماتوا، ويتعجلون في الدنيا وجوه الخيرات العاجلة، التي وعدوا بها على الأعمال الصالحة في نحو قوله:{فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} الآية، وقيل: المراد بالخيرات الطاعات، والمعنى: يركبون في الطاعات والعبادات أشد الرغبة، وهم لأجلها فاعلون السبق، أو لأجلها سابقون الناس.
قال في "الإرشاد": إيثار كلمة (في) على كلمة (إلى)؛ للإيذان بأنهم متقلبون في فنون الخيرات، لا أنهم خارجون عنها، متوجهون إليها بطريق المسارعة.
كما في قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} لخ.
وقرأ الحُرُّ النحوي:{يسرعون} مضارع أسرع، يقال: أسرعت إلى الشيء وسرعت إليه بمعنى واحد، وأما المسارعة فالمسابقة؛ أي: يسارعون غيرهم.
وجملة قولة:{وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} مؤكدة لما قبلها، مفيدة للثبوت بعدما أفادت الأولى التجدد، ومفعول المسابقة محذوف، واللام بمعنى إلى؛ أي: وهم