قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن نوحًا أمر أن ينذر قومه قبل أن يحل بهم بأس ربهم وعظيم بطشه، وأنه لبى نداءه، فأنذرهم وأمرهم بتقواه وطاعته ليغفر ذنوبهم ويمد في أعمارهم .. أردف ذلك بمناجاته لربه وشكواه إليه أنه أنذرهم بما أمره به، فعصوه وردوا عليه ما آتاهم به من عنده، ولم يزدهم دعاؤه، إلا إدبارًا عنه وهربًا منه، وأنه كان يدعوهم تارةً جهرةً وتارة سرًّا، وأمرهم أن يطلبوا من ربهم مغفرة ذنوبهم ليرسل المطر عليهم، ويمدهم بالأموال والبنين، ويجعل لهم الجنات والأنهار. ثم نبههم إلى عظمته تعالى وواسع قدرته، ولفت أنظارهم إلى خلقه تعالى لهم أطوارًا. وخلقه للسموات طباقًا، وجعل القمر فيهن نورًا، وجعل الشمس سراجًا، وجعل الأرض كالبساط، يتنقلون فيها من واد إلى واد، ومن قطر إلى قطر.
قوله تعالى:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها (١): أنَّ الله سبحانه لقا ذكر فيما سبق إنذار نوح قومه .. أخبر هنا عن نوح أنه أعلم ربه العلم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة أنه مع ما استعمله من الوسائل، والأساليب المختلفة المشتملة على الترغيب طورًا، والترهيب طورًا آخر .. كذّبوه وعصوه واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر ربه ومتع بمال وولد، وقالوا: لا نترك آلهتنا التي عبدناها نحن وآباؤنا من قبل، ولا عجيب فقد أضلت الأصنام خلقًا كثيرًا، فدعا عليهم: رب اخذل هؤلاء القوم الظالمين ولا تزد هم إلا ضلالًا.
قوله تعالى:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ...} إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما ذكر مقالة نوح، وشكواه إليه .. أردفه بما جازاهم به من الغرق والعذاب، وأنهم لم يجدوا من يدفعهما عنهم. ثم أخبر بدعاء نوح على قومه، وعلل هذا بأنهم يضلون الناس، وأنهم لو نسلوا لم يلدوا إلا الكفرة الفجرة. ثم دعا لنفسه ولوالديه ولمن دخل سفينته من المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة، ودعا على قومه بالتبار والهلاك.