للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في هذه السورة النبأ الحق، والخبرُ الصدق الذي هو مطابق لِمَا جرَى للأمم السابقة، ليسَ فيه تغيير، ولا تحريفٌ، كما يَنْقل شيئًا من ذلك المؤرخُون. فإن قلت (١): قد جاءه الحق في سور القرآن كُلِّها، فلِم خص هذه السورة بالذكر؟

قلت: لا يلزَمُ من تخصيص هذه السورة بالذكر أن لا يَكُون قد جاءه الحق في غيرها من السور، بل القرآن كلُّه، حق يَحِقُّ تَدَبُّرُه، وصدقٌ يجب تصديقه، ولكن إنما خصَّها بالذكر، تشريفًا لها، ورفعًا لمنزلتها لكونها جمعت من قصص الأمم الماضية، ما لم يَكُن في غَيْرِها، وإنما عرفه، ونكر تَالِيَيهِ تفخيمًا له، لكونه يُطلَقُ على الله تعالى بخلاف تالييه، اهـ "كرخي".

قال في "الإرشاد" (٢): {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ}؛ أي: الأمر الجامع بين كونه حقًّا في نفسه، وكونهِ موعظةً، وذِكرى للمؤمنينَ، ولكون الوصف الأول حالًا له في نفسه، حلّي باللام دون ما هو وصف له بالقياس إلى غيره، وتقديم الظرف أعني (في هذه) على الفاعل، أعني الحقَّ, لأنَّ المقصود بيان منافع السورة، لا بيان ذلك فيها, لا في غيرها؛ أي: لأن المقصودَ بيان اشتمالها على ذلك، لا بيان كونه موجودًا فيها دون غيرها.

{وَمَوْعِظَةٌ}؛ أي: ونصيحة عظيمة للمؤمنين {وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: وتذكرة لهم خَصَّهم بالذكر، لأنهم هم المنتفعون بالموعظة، والتذكير بأيام الله، وعقوبته، والفرق بين الموعظة والتذكير: أنَّ المَوْعِظَةَ هي ما ينزجر به السامِعُ، ويمتنع من الاغترار بزخارف الدنيا, ولذاتها لأنه إذا رَأَى إهلاك الأمم السابقة مع قوتهم، وجلادتهم وسعةِ رزقهم أعرضَ عن الدنيا، والتذكير: ما يقبل السامع بالتدبر فيه إلى أمور الآخرة، والتزود لها؛ لأنه إذَا رأى نَصرَ المؤمنين، وكَوْنَ الدولة لهم، ونَجَاتهم مع الرسل، أقْبَل إلى أمور الآخرة، والتزود لها. وقيل: هما مرادفان.

١٢١ - {وَقُلْ} يا محمَّد {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} بهذا الحق، ولا يتعظون به، ولا


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.