{يزفون} كيرمون بسكون الزاي من زفاه إذا حداه، فكان بعضهم يزفو بعضًا لتسارعهم إليه. وحكى الثعلبي عن الحسن، ومجاهد، وابن السميفع: أنهم قرؤوا {يرفون} بالراء المهملة، وهي ركض بين المشي والعدو.
٩٥ - {قَالَ} إبراهيم عليه السلام؛ أي: بعدما أتوا به، وجرى بينهم وبينه من المحاورات، ما نطق به قوله تعالى في سورة الأنبياء: {قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢)} إلى قوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ}؛ أي: قال لهم حال كونه يؤنبهم ويعيّبهم: {أَتَعْبُدُونَ} بهمزة الاستفهام الإنكاري {ما تَنْحِتُونَـ} ـه من الأصنام. فما موصولة؛ أي: أتعبدون أصنامًا أنتم تنحتونها، وتبرونها، وتصلحونها. والنحت: النجر والبري، يقال: نحته ينحته بالكسر نحتًا إذا براه والنحاتة: البراية،
٩٦ - وجملة قوله:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} في محل النصب حال من فاعل {تعبدون} مؤكدة للإنكار والتوبيخ، أي: والحال أنه تعالى خلقكم، والخالق هو الحقيق بالعبادة دون المخلوق. {وَما تَعْمَلُونَ}؛ أي: وخلق ما تعملونه من الأصنام وغيرها، فإن (١) جواهر أصنامهم ومادتها بخلقه تعالى، وشكلها وإن كان بفعلهم، لكنه بإقدار الله تعالى إياهم عليه، وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد والأسباب، فلم يلزم أن يكون الشيء مخلوقًا لله ومعمولًا لهم. ويجوز أن تكون {ما} مصدرية؛ أي: خلقكم وخلق عملكم. ولكن جعلها موصولةً أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام. وظهر من فحوى الآية: أن الأفعال مخلوقة لله تعالى، مكتسبة للعباد، حسبما قالته أهل السنة والجماعة، وبالاكتساب يتعلق الثواب والعقاب.
والمعنى: أي قال لهم: أتعبدون من دون الله تعالى، أصنامًا أنتم تنحتونها بأيديكم، فما تحدثون فيه الصنعة بأيديكم، تجعلونه معبودًا لكم، أفلا عاقل منكم، ينهاكم عن مثل هذا، والله خلقكم، وخلق تلك الأصنام التي تعملونها بأيديكم، والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق، لا جرم أن عبادتكم لها خطأ عظيم، وإثم كبير.