للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعظيم غفلتهم، فقال: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} حالٌ (١) من فاعل {يَتَّبِعُونَ}؛ أي: يتبعون الظن، وهوى النفس في حال تنافي ذلك. وهي مجيء الهدى من عند ربهم. أو اعتراض، لأن قوله: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)} متصل بقوله: {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}. والأول أولى. وأيًّا ما كان ففيه تأكيد لبطلان إتباع الظن. وهوى النفس، وزيادة تقبيح لحالهم. فإن اتباعهما من أي شخص كان قبيح وممن هداه الله بإرسال الرسول، وإنزال الكتاب أقبح. فالهدى القرآن والرسول، ولم يهتدوا بهما.

والمعنى: كيف يتبعون ذلك، والحال أنه قد جاءهم ما فيه هدى لهم من عند الله تعالى على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم وجعله من أنفسهم؛ أي (٢): هم يتبعون ما كان عليه أسلافهم، وينقادون إلى آرائهم، وقد أرسل الله إليهم الرسول بالحق المنيهر، والحجة الواضحة، وقد كان ينبغي أن يكون لهم في ذلك مزدجر، لكنهم أعرضوا عنه، وتولوا كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة.

٢٤ - وبعد أن بين أن جعلهم الأصنام شركاء لله لا يستند إلى دليل، بل لا يستند إلا إلى التشهي والهوى وإتباع الظن ذكر أنها مع هذا لا تجديهم نفعًا. فهي لا تشفع لهم عند الله، ولا يظفرون منها بجدوى، فقال: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)} و {أَمْ} فيه منقطة تقدر ببل الإضرابية، وهمزة الإنكار والنفي، والتمنّي. تقدير شيء في النفس وتصويره فيها كما سيأتي. فأضرب عن اتباعهم الظن الذي هو مجرد التوهم، وعن اتباعهم هوى الأنفس، وما تميل إليه. وانتقل إلى إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم، وتشفع لهم.

والمعنى: بل أيظن الكافر أن له ما يتمنى ويشتهي من شفاعة الأصنام؛ أي: (٣) ليس له كل ما يتمناه، وتشتهيه نفسه من الأمور التي من جملتها أطماعهم الفارغة في شفاعة الآلهة، ونظائرها التي لا تكاد تدخل تحت الوجود.

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ ... تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.