للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للحق، الموضحة لما يحتاج إليه من الأحكام والشرائع والدلائل والوعد والوعيد؛ أي (١): جاءتهم على إرادة التفصيل دون الجمع؛ أي: بعض هذه المذكورات جاءت بعض المكذبين، وبعضها بعضهم، لا أن الجميع جاءت كلًّا منهم، وعبارة "النسفي" هنا: ولما كانت (٢) هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسنادًا مطلقًا، وإن كان بعضها في جميعهم وهي البينات، وبعضها في بعضهم، وهي الزبر والكتاب، وفيه مسلاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو حيان: وإعادة حرف الجر هنا في العطف في الأخيرين هو على سبيل التأكيد، ذكره في سورة آل عمران،

٢٦ - وبعد أن سلاه - صلى الله عليه وسلم - هدد من خالفوه وعصوه بمثل ما فعل بمن قبلهم من الماضين فقال: {ثُمَّ أَخَذْتُ} بأنواع العذاب، {الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: ثبتوا على الكفر وداوموا عليه، وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة، والإشعار بعلية الأخذ، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}؛ أي: إنكاري بالعقوبة، وتغييري عليهم؛ أي: هو واقع موقعه، وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء في {نَكِيرِ} وصلًا لا وقفًا.

وقال ابن الشيخ: الاستفهام فيه للتقرير المضمن للتعجب، فإنه - صلى الله عليه وسلم - شدة الله عليهم، فحسن الاستفهام على هذا الوجه في مقابلة التسلية، يحذِّر كفار هذه الأمة بمثل عذاب الأمم المكذبة المتقدمة، والعاقل من وعظ بغيره.

والمعنى (٣): أي وبعد أن أتاهم الرسل بما أتوهم فكذبوهم فيما جاؤوهم به .. أخذتهم بالعقاب والنكال، فانظر كيف كان شديد عقابي بهم، وإنكاري عليهم، فإن تمادى قومك وأصروا على إنكارهم واستمروا في عمايتهم .. حل بهم مثل ما حلَّ بأولئك، فتلك سنة الله لا تبديل لها ولا تغيير، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} ولا يخفى ما في هذا من شدة التهديد والوعيد.

ووجه التسلي (٤): أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحزن عليهم، وقد نهى الله عن الحزن بقوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} وذلك لأنهم كانوا غير مستعدين لما دعوا إليه من الإيمان والطاعة، فتوقع ذلك منهم كتوقع الجوهرية من الحجر القاسي مع أن الحزن للحق


(١) روح البيان.
(٢) النسفي.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.