للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يختر لنفسه لكمال تعاليه زوجة ولا بنتًا ولا ابنًا كما يقول الظالمون: عيسى ابن الله، ومريم صاحبته، والملائكة بنات الله، وذلك أنهم لما سمعوا القرآن ووفقوا للتوحيد والإيمان تنبهوا للخطأ في ما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بخلقه في اتخاذ الصاحبة والولد، فاستعظموه ونزهوه تعالى عنه لعظمته وسلطانه أو لغناه، فإن الصاحبة تتخذ للحاجة إليها. والولد للتكثير وإبقاء النسل بعد فوته، وهذه من لوازم الإمكان والحدوث، وأيضًا هو خارج عن دائرة التصور، والإدراك، فكيف يكيفه أحد؟ فيدخله تحت جنس حتى يتخذ صاحبة من صنف تحته أو ولدًا من نوع يماثله. وقد قالت النصارى أيضًا: المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله، وبعض مشركي العرب الملائكة بنات الله. ويلزم من كون المسيح ابن الله على ما زعموا أن تكون مريم صاحبة له، ولذا ذكر الصاحبة. يعني: أنّ الولد يقتضي الأمّ التي هي صاحبة الأب الوالد.

والمعنى (١): أي وإنهم كما نفوا عن أنفسهم الإشراك بالله نزّهوا ربهم عن الزوجة والولد؛ لأن الصاحبة تتخذ للحاجة إليها, ولأنها من جنس الزوج، كما قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}. والولد للتكثّر، والاستئناس به، والحاجة إليه حين الكبر وبقاء الذكر والشهرة، كما قال:

وَكَمْ أَبٍ قَدْ عَلا بابْنٍ ذُرَا شَرَفٍ ... كَمَا عَلَتْ بِرَسُوْلِ الله عَدْنَانُ

والله سبحانه منزه عن ذلك، تعالى ربنا علوًا كبيرًا.

والخلاصة: علا ملك ربنا وسلطانه أن يكون ضعيفًا ضعف خلقه الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة أو ملامسة يكون منها الولد.

٣ - ٤ {وَأَنَّهُ}؛ أي: وأن الشأن {كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا}؛ أي: جاهلنا، وهو إبليس أو مردة الجن. فقوله: {سَفِيهُنَا} للجنس. والظاهر (٢) أن يكون إبليس من الجنّ كما قال تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. والسفه: خفّة النفس لنقصان العقل، ويكون في الأمور الدنيوية والأخروية، والمراد به في الآية هو السفه في الدين الذي هو السفه الأخروي، كذا في "المفرادت". {عَلَى اللَّهِ} متعلق بـ


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.