من الذنوب التي لا تكفرها سائر الحسنات التي يأتي بها القاعدون، والرحمة هي ما يخصهم به الرحمن زيادة على ذلك من فضله وإحسانه، وأخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج، كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، قالوا: أو لا نبشر الناس بقولك، فقال:"إن في الجنة مئة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله .. فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".
فإن قلت (١): قد ذكر الله عز وجل في الآية الأولى درجة واحدة، وذكر في هذه الآية درجات، فما وجه الحكمة في ذلك؟
قلتُ: أما الدرجة الأولى: فلتفضيل المجاهدين على القاعدين بوجود الضرر والعذر، وأما الثانية: فلتفضيل المجاهدين على القاعدين من غير ضرر ولا عذر، فُضِّلوا عليهم بدرجات كثيرة، وقيل: يحتمل أن تكون الدرجة الأولى درجة المدح والتعظيم في الدنيا، والدرجات درجات الجنة ومنازلها، كما في الحديث والله أعلم.
{وَكاَنَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورًا} لذنوب عباده المؤمنين {رَّحِيمًا} بهم، يتفضل عليهم برحمته ومغفرته، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه عز وجل قال:"أيما عبد من عبادي خرج مجاهدًا في سبيل الله ابتغاء مرضاتي .. ضمنت له إن أرجعته أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة، وإن قبضته .. غفرت له ورحمته" أخرجه النسائي.
٩٧ - {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ}؛ أي: تتوفاهم {الْمَلَائِكَةُ} وتقبض أرواحهم حين انتهاء آجالهم، والمراد بالملائكة ملك الموت وأعوانه، وهم ستة: ثلاثة منهم يلون قبض أرواح المؤمنين، وثلاثة يلون قبض أرواح الكفار والمنافقين، وقيل: أراد به