للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عذابًا يحل بهم إذا أصروا على عنادهم وكفرهم، ووعد بأن ينصر رسوله عليهم، وقد استعجلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ فكان عدم وقوعه شبهة لهم على عدم صدق القرآن؛ إذ هم يجهلون سنة الله في شؤون الإنسان، فأمر الله نبيه أن يقول لهم:

٥٨ - {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}؛ أي: ليس الأمر الذي تستعجلون بوقوعه من نقم الله وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادر، ولم أقل لكم: إن الله فوض أمره إلي حتى تطالبوني به، وتعدون عدم إيقاعه عليهم حجة على تكذيبه. وقيل (١): سبب نزول هذه الآية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك، وكان النضر بن الحارث وأصحابه يستعجلونه بقولهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ بطريق الاستهزاء، أو بطريق الإلزام على زعمهم، فقال تعالى: قل لهم يا محمد: ليس ما تستعجلون به من العذاب الموعود في القرآن، وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيبه في حكمي وقدرتي حتى أجيء به وأظهر لكم صدقه.

ثم أكد ما سبق بقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}؛ أي: ما الحكم والتصرف في هذا الذي تستعجلونه من العذاب، وفي غيره من شؤون الخلق إلا لله وحده سبحانه وتعالى، وله في ذلك سنن حكيمة تجري عليها أفعاله وأحكامه، فلا يتقدم شيء منها على ميقاته ولا يتأخر عنه: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}. ثم بين سبحانه وتعالى أن كل ما قصه على رسوله أو قضاه فهو حق لا شبهة فيه، فقال: {يَقُصُّ} بالصاد المهملة المشددة؛ أي: يقص الله سبحانه وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويخبر له القصص {الْحَقَّ} والخبر الصادق في وعده ووعيده وجميع أخباره.

وقرىء بسكون القاف وكسر الضاد المعجمة - كما سيأتي - بغير ياء؛ لسقوطها في اللفظ؛ أي: يقضي الله سبحانه ويحكم بين عباده القضاء الحق، أو يصنع الحق؛ لأن كل شيء صنعه الله تعالى فهو حق. {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}؛ أي: أفضل الفاصلين الذين يفصلون بين الحق والباطل، أو هو أعدل الحاكمين في كل أمر، فهو لا يقع في حكمه وقضائه حيف وميل إلى أحد المتخاصمين، وهو النافذ حكمه في كل شيء، والمحيط علمه بكل شيء، وفي


(١) المراح.