لصالح الأعمال، ونجزه بالحسنة عشر أمثالها، إلى ما شاء الله تعالى، ومن كان سعيه موجهًا إلى شؤون الدنيا وطلب طيباتها واكتساب لذاتها، وليس له هم في أعمال الآخرة، نؤته منها ما قسمناه له، وليس له في ثواب الآخرة حظ، فالأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى، قال قتادة: إن الله يعطي على نية الآخرة، ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا. وقال ابن عباس: من يؤثر دنياه على آخرته .. لم يجعل الله له نصيبًا في الآخرة إلا النار، ولم يزد بذلك من الدنيا شيئًا، إلا رزقًا فرغ منه وقسم له.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه، وابن مردويه ابن حبان عن أبي بن كعب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا .. لم يكن له في الآخرة من نصيب".
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} الآية، ثم قال:"يقول الله لابن آدم: تفرغ لعبادتي، أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلًا، ولم أسد فقرك".
وعن علي كرم الله وجهه قال: الحرث: حرثان، فحرث الدنيا المال والبنون، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات. ونحو الآية قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)}.
٢١ - ولما بين القسطاس الأقوم في أعمال الآخرة وأعمال الدنيا .. أردفه بالتنبيه إلى ما هو الأصل في باب الضلالة والشقاوة، فقال:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} أم (١) منقطعة، مقدرة ببل التي للإضراب الانتقالي من قوله:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ}، والهمزة التي للتقرير والتوبيخ، وشركاؤهم شياطينهم من الإنس والجن، والضمير في {لَهُمْ} للمشركين من قريش، وإضافة الشركاء إلى ضميرهم في قولنا: