للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٩٥ - {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها} والاستفهام فيه وفيما بعده للتقريع والتوبيخ والإنكار؛ أي: إن هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء لله ليس لهم شيء من الآلات التي هي ثابتة لكم، فضلا عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم؛ فإنّهم - كما ترون هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها - ليست لهم {أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها} في نفع أنفسهم، فضلا عن أن يمشوا في نفعكم {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها} في دفع ما يؤذي {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها} المنافع من المضار {أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها} تضرعكم ودعاءكم؛ أي: وليست لهم أيد يبطشون ويعملون بها كما يبطش غيرهم من الأحياء، وليست لهم أعين يبصرون بها كما تبصرون، وليست لهم آذان يسمعون بها كما تسمعون، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات، وبهذه المنزلة من العجز؟!! و {أَمْ} في هذه المواضع هي المنقطعة التي بمعنى {بل} والهمزة؛ كما ذكره أئمة النحو.

والمعنى (١): أنّ هؤلاء فقدوا وسائل الكسب التي يناط بها النفع والضر في هذه الحياة، فليس لهم أرجل يسعون بها إلى دفع ضر أو جلب نفع، وليس لهم أيد يبطشون بها فيما ترجون منهم من خير، أو تخافون من شر، وليس لهم أعين يبصرون بها حالكم، ولا آذان يسمعون بها أقوالكم، ويعرفون بها مطالبكم، فهم ليسوا مثلكم، بل دونكم في الصفات والقوى التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الخلق، فكيف ترفعونهم عن مماثلتكم وهم دونكم بالاختبار والمشاهدة، وإنّكم تستكبرون عن قبول الهدى والرشاد من الرسول، ويقول بعضكم لبعض {ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخاسِرُونَ (٣٤)} فما بالكم تأبون قبول الحق والخير من مثلكم، وقد فضله الله عليكم بالعلم والهدى، ثم ترفعون ما دونه ودونكم إلى مقام الألوهية، مع انحطاطه عن درجة المثلية؟

وقرأ الحسن والأعرج ونافع (٢): {يَبْطِشُونَ}: بكسر الطاء، وقرأ أبو جعفر


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.