فِرْعَوْنَ}؛ أي: شأن هؤلاء الكفرة في تكذيبهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وكفرهم بشريعته وصنيعهم وعادتهم، كدأب آل فرعون، أي: كشأن فرعون وقومه وعادتهم في تكذيبهم موسى وشريعته {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: وكدأب الأمم الذين من قبل قوم فرعون من كفار الأمم الماضية في تكذيبهم أنبياءهم كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم إبراهيم وغيرهم {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أي: قد كذب آل فرعون ومن قبلهم بآياتنا ومعجزاتنا الدالة على صدق رسلنا وأنكروها، ومتى كذبوا بها. فقد كذبوا الأنبياء بلا شك {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ}؛ أي: عاقب الله آل فرعون ومن قبلهم {بِذُنُوبِهِمْ}؛ أي: أهلكهم بتكذيبهم المعجزات الدالة على صدق الرسل، وإنكارها، ونَصَر الرسل ومن آمن معهم ولم يجدوا من بأس الله محيصًا ولا مهربًا؛ إذ عقابه أثر طبيعي لاجتراح الذنوب وارتكاب الموبقات. وجملة {كَذَّبُوا}؛ إلى آخرها تفسير لدأبهم مما فعلوا أو فعل بهم.
وإنما استعمل الأخذ في العقاب؛ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأسور المأخوذ الذي لا يقدر على التخلص {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}؛ أي: أليم العذاب شديد البطش، والغرض من الآية أن كفار قريش كفروا كما كفر أولئك المعاندون من آل فرعون ومن سبقهم، فلما لم تنفع أولئك أموالهم ولا أولادهم .. فكذا لن تنفع هؤلاء، وفي هذه الجملة إشارة إلى شدة سطوة الله على من كفر بآياته وكذب
١٢ - بها، ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال:{قُل} يا محمَّد {لِلَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: ليهود المدينة ومشركي مكة {سَتُغْلَبُونَ}؛ أي: يغلبكم المسلمون عن قريب في الدنيا وقد صدق الله تعالى وعده بقتل بني قريظة، فقد قتل منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم واحد ست مئة، جمعهم في سوق بني قينقاع وأمر السياف بضرب أعناقهم، وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها، وبإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على أهلها وبالأسر على بعض ولله الحمد. {وَتُحْشَرُونَ}؛ أي: تجمعون وتساقون {إلى} نار {جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}؛ أي: قبح المهاد والفراش الذي مهدتموه وفرشتموه لأنفسكم، والمخصوص بالذم نار جهنم، ودلت الآية على حصول البعث في يوم القيامة والنشر والحشر وعلى أن مرد الكافرين النار.