للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٠ - ثم ذكر عقابهم الفظيع، فقال: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} لهم {وَنُذُرِ}، أي: إنذاري إيّاهم على لسان رسولي صالح عليه السلام، وقد سبق تفسير هذا فلا عود ولا إعادة.

٣١ - ثم فصل هذا العذاب بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا} وسلطنا {عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً}؛ أي: صيحة جبريل عليه السلام. وذلك لأنّها هي الجزاء الوفاق لفعلهم. فإنّهم صاروا سببًا لصيحة ولد الناقة بقتل أمه. {فَكَانُوا}؛ أي: فصاروا لأجل تلك الصيحة بعد أن كانوا في نضارة وطيب عيش {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} الهشم (١): كسر الشيء الرخو, كالنبات. والهشيم بمعنى المهشوم؛ أي: المكسور، وهو اليابس المتكسر من الشجر وغيره. والحظر: جمع الشيء في حظيرة، والمحظور الممنوع، والمحتظر بكسر الظاء الذي يعمل الحظيرة ويتخذها. قال الجوهري: الحظيرة التي تعمل للإبل من الشجر لتقيها البرد والريح. والحظيرة في الأرميا "دلي".

والمعنى: إنا نحن أرسلنا جبريل ليصيح بهم، فصاح عليهم صيحة واحدة، فصاروا كالشجر اليابس الذي يتخذه من يعمل الحظيرة وقاية لإبله من الريح والبرد، فتساقط على الأرض, فتكسر, وتفتت. أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لأكل ماشيته، فداست عليه، فتفتت، فصار كالغبار.

روي: أن جبريل صاح في طرف منازلهم في اليوم الرابع من عقر الناقة؛ لأنه كان في يوم الثلاثاء، ونزول العذاب بهم كان في يوم السبت، فصاروا كالحشيش البالي الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته، كأنهم هلكوا من أمد بعيد.

وقصارى ذلك: أنهم بادوا عن آخرهم، ولم تبق نهم باقية، وهمدوا كما يهمد يبيس الزرع والنبات.

وقرأ الجمهور (٢): {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} بكسر الظاء، اسم فاعل, وهو الذي يعمل الحظيرة، وهشيمه ما سقط منه من دقاق الشجر، وأغصانه حالة العمل، وتكسر, وتفتت، وصار كالغبار. وقرأ أبو حيوة، وأبو السمال، وأبو رجاء، وأبو عمرو بن عبيد بفتحها. وهو موضع الاحتظار. وقيل: هو مصدر؛ أي: كهشيم


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.