للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معصيته، فخافه ورهبه خشية أن يعاقبه، وقد أثر عن ابن عباس أنه قال: العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئًا، وأحلّ حلاله وحرَّم حرامه وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسبه بعمله. وقال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب ورغِب فيما رغَّب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا الآية.

وعن عائشة رضي الله عنها: صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخطب فحمد الله، ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية" أخرجه البخاري ومسلم. ثم بيَّن سبب خشيتهم منه فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَزِيزٌ} في انتقامه ممن كفر به {غَفُورٌ} لذنوب من آمن به وأطاعه، فهو قادر على عقوبة العصاة وقهرهم، وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم، ومن حق المعاقب والمثيب أن يخشى.

قيل (١): الخشية: تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل يكون تارةً بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته، وخشية الأنبياء من هذا القبيل، فعلى المؤمن أن يجتهد في تحصيل العلم بالله حتى يكون أخشى الناس، فبقدر مراتب العلم تكون مراتب الخوف والخشية وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سئل: يا رسول الله، أينا أعلم؟ قال: "أخشاكم لله سبحانه وتعالى، إنما يخشى الله من عباده العلماء"، قال: يا رسول الله، فأيُّ الأصحاب أفضل؟ قال: "من إذا ذكرت الله .. أعانك، وإذا نسيت .. ذكّرك"، قالوا: فأيّ الأصحاب شر؟ قال: "الذي إذا ذكرت لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك"، قالوا: فأيُّ الناس شرٌّ؟ قال: "اللهم اغفر للعلماء، العالم إذا فسد فسد الناس". كذا في "تفسير أبي الليث". نسأل الله سبحانه أن يجعلنا عاملين محقّقين، وفي الخوف والخشية صادقين ومحقّين.

٢٩ - {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: يداومون على تلاوة القرآن، ويعملون بما فيه؛ إذ لا تنفع التلاوة بدون العمل، والتلاوة (٢): القراءة متتابعة، والقراءة أعم كالدراسة والأوراد الموظّفة، والقراءة منها, لكن التهجّي وتعليم الصبيان لا يعد قراءة، ولذا قالوا: لا يكره التهجّي للجنب والحائض


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.