مع خوف من فرعون؛ لأنه كان شديد البطش، ومع خوف من ملأ فرعون، وأشراف قومه، وهم رؤساء الذرية، فإن أشراف بني إسرائيل كانوا يمنعون أولادهم من إجابة موسى، خوفًا من فرعون عليهم، وعلى أنفسهم، وإنما جمع الضمير في {ملإيهم} مع أنه عائد إلى فرعون وهو واحد، تفخيمًا له على حسب اعتقادهم، أو الضمير عائد على الذرية؛ أي: ملأ الذرية، وقد عرفت أن آباء الذرية كانوا من جملة ملأ فرعون ورؤسائه وعرفائه عليهم {أَنْ يَفْتِنَهُمْ}؛ أي: من أن يصرفهم ويصدهم عن الإيمان بتسليط أنواع العذاب عليهم، وإنما قال: أن يفتنهم، ولم يقل: أن يفتنوهم؛ لأن قوم فرعون كانوا على مراده وتابعين لأمره، وهو بدل اشتمال من فرعون؛ أي: على خوف من فتنة فرعون. والمعنى: إن إصرار فرعون وقومه على الكفر بموسى، بعد خيبة السحرة وظور حقه على باطلهم، ثم عزمه على قتله، كما جاء في قوله:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}. وقرأ الحسن وجراح ونبيح {يفتنهم} بضم الياء من أفتن الرباعي. كل هذا أوقع الرعب والخوف في قلوب بني إسرائيل، قوم موسى، {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} وهم الأحداث والشبان، وكانوا خائفين من فرعون وأشراف قومهم الجبناء المرائين، الذين هم عرفاؤهم عند فرعون فيما يطلب منهم أن يضطهدوهم ويعذبوهم، ليرتدوا عن دينهم. {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ}؛ أي؛ لشديد العتو قويّ القهر في أرض مصر، فهو جدير بأن يخاف منه، كما حكى الله عنه بقوله:{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
{وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ}؛ أي: لمن المجاوزين الحد في الظلم والفساد، بكثرة القتل والتعذيب، لمن يخالفه في أمر من الأمور، وبالكبر وغمص الحق واحتقار الخلق، ومن ثم ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء،
٨٤ - {وَقَالَ مُوسَى} لمن آمن من قومه وقد رأى خوفهم من الفتنة والاضطهاد {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ} حق الإيمان {فَعَلَيْهِ} سبحانه وتعالى لا على غيره {تَوَكَّلُوا}؛ أي: اعتمدوا وبوعده فثقوا {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}؛ أي: مذعنين مستسلمين منقادين لأمره تعالى، إذ لا