للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإمضاءهم على الطاعة لها، علمًا منها أنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها .. لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها، وإن لم يجتمع أمرهم وحزمهم وجدهم .. كان ذلك عونًا لعدوهم عليهم، وإن لم تختبر ما عندهم، وتعلم قدر عزمهم .. لم تكن على بصيرة من أمرهم، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، وتعمية في تقدير أمرهم، وكان في مشاورتهم، وأخذ رأيهم عون على ما تريد من قوة شوكتهم، وشدة مدافعتهم، ألا ترى إلى قولهم في جوابهم: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} على ما لها من عقل راجح وأدب جم في التخاطب. وعلى هذا النهج سار الإِسلام، فقد قال سبحانه لنبيه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، وقد مدح سبحانه صحابة رسوله بقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.

وفي قراءة عبد الله (١): {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} وقوله: {حَتَّى تَشْهَدُونِ} بكسر النون (٢) والفتح لحن؛ لأن النون إنما تفتح في موضع الرفع، وهذا في موضع النصب. وأصله: حتى تشهدونني، فحذفت النون الأولى للنصب والياء؛ لدلالة الكسرة عليها، وبالياء في الوصل والوقف. قرأ يعقوب: أي: حتى تحضروني، أو تشيروني، أو تشهدوا أنه صواب؛ أي: لا أبت الأمر إلا بمحضركم. وقيل: كان أهل مشورتها ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلًا.

٣٣ - وقوله: {قَالُوا} أي: قال الملأ مجيبين لها، استئناف بياني، كأنه قيل: فماذا قالوا في جوابها؟ فقيل: قالوا: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} في العدد والعدة؛ أي: ذووا قوة في الآلات والأجساد والعدد. {وَأُولُو بَأْسٍ} أخذ {شَدِيدٍ} لأعدائنا عند الحرب واللقاء؛ أي: لنا من الشجاعة والنجدة ما نمنع به أنفسنا وبلدنا ومملكتنا؛ أي: لنا شجاعة مفرطة، وبطش شديد، فلا نخاف أعداءنا.

وهذا تعريض (٣) منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم فوضوا الأمر إليها؛ لعلمهم بصحة رأيها وقوة عقلها، فقالوا: {وَالْأَمْرُ} في شأننا هذا، بل في كل


(١) البحر المحيط.
(٢) النسفي.
(٣) روح البيان.