والنفساء بالقرآن؛ لأنه لا يعد قارئًا، وكذا لا يكره لهم التعليم للصبيان وغيرهم حرفًا حرفًا، وكلمةً كلمةً مع القطع بين كل كلمتين، وقيل: معنى {يَتْلُونَ} يتّبعون كتاب الله، من قولهم: تلاه إذا اتبعه؛ لأن التلاوة بلا عمل لا نفع فيها، وقد ورد:"رب قارىء للقرآن والقرآن يلعنه".
{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} المفروضة؛ أي: أدّوها بآدابها وشرائطها وأركانها في أوقاتها، وغاير بين الجملتين بالاستقبال والمضي؛ لأن أوقات التلاوة أعم بخلاف أوقات الصلاة، وكذا أوقات الزكاة المدلول عليها بقوله:{وَأَنْفَقُوا} في وجوه البر {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} وأعطيناهم {سِرًّا وَعَلَانِيَةً} وهي ضد السر؛ أي: إنفاق سر وعلانية، أو ذوي سرّ وعلانية بمعنى مسرّين ومعلنين؛ أي: أنفقوا كيفما أمكن لهم من غير قصد إليهما، فيه حثّ على الإنفاق كيفما تهيّأ، فإن تهيأ سرًا فهو أفضل، وإلا فعلانية، ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء، فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه إنه مراءٍ هو عين الرياء، ويمكن أن يراد بالسر صدقة النفل، بالعلانية صدقة الفرض، وفيه أيضًا حث على الإنفاق في جميع الأوقات.
وجملة {يَرْجُونَ} خبر {إِنَّ}؛ أي: يقصدون ويطلبون، {تِجَارَةً}؛ أي: مثوبة {لَنْ تَبُورَ} صفة لتجارة؛ أي: لن تبطل ولن تخسر ولن تهلك؛ أي: يأملون من ربهم، ويطلبون منه بأعمالهم المذكورة مثوبة مدّخرة لا تبطل ولا تحبط .. قال في "الإرشاد": وأتى بقوله: {لَنْ تَبُورَ} للدلالة على أنها ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران؛ لأنه اشتراء باقٍ بفانٍ، والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول رجائهم،
٣٠ - وقوله:{لِيُوَفِّيَهُمْ} متعلق بـ {يَرْجُونَ}(١)، أو بـ {لَنْ تَبُورَ} على معنى أنه ينتفي عنها الكساد، وتنفق عند الله ليوفيهم بحسب أعمالهم وخلوص نياتهم {أُجُورَهُمْ}؛ أي: أجور أعمالهم من التلاوة والإقامة والإنفاق، فلا وقف على لن تبور أي لن تكسد لأجل أن يعطيهم أجور أعمالهم الصالحة وافية كاملة، أو متعلق بمحذوف دل عليه السياق؛ أي: فعلوا ذلك ليوفيهم أجور أعمالهم، {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}؛ أي: من جوده وكرمه وخزائن رحمته ما يشاء مما لم يخطر ببالهم عند العمل، ولم يستحقوا له، بل هو كرم محض، ومن