للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}.

ثم ذكر الحال التي يسوغ فيها تناول شيء من هذه المحرمات فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ}؛ أي: فمن احتاج حاجةً شديدةً إلى تناول شيء من هذه المحرمات، لمجاعة حلت به، وضرورة دعته إلى أخذ شيء منها حالة كونه {غَيْرَ بَاغٍ} على مضطر آخر {وَلَا عَادٍ}؛ أي: ولا متعد قدر الضرورة وسد الرمق، وقيل (١): معناه غير باغ على الوالي، ولا متعد على الناس، بالخروج لقطع الطريق، فعلى هذا لا يباح تناول شيء من المحرمات في سفر المعصية، وجواب من الشرطية محذوف، تقديره: فالله لا يؤاخذه على ذلك، وجملة قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} تعليل لذلك المحذوف؛ أي: لأن الله سبحانه وتعالى غفور له، يستر له ما صدر منه من الهفوات، رحيم به أن يعاقبه على مثل ذلك.

أمَّا ما حرَّموه من غير ذلك من البحائر والسوائب والوصائل ونحوه، مما تقدم في سورة الأنعام، فهو محض افتراءٍ على الله، وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة البقرة والمائدة والأنعام، وفيها حصر المحرمات في هذه الأربع فحسب.

١١٦ - ثم أكد حصر المحرمات في هذه الأربع، ونهى عن التحريم والتحليل بالأهواء فقال: {وَلَا تَقُولُوا} يا أهل مكة {لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ}؛ أي: في شأن (٢) ما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة، في قولكم: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} من غير ترتيب ذلك الوصف على ملاحظةٍ وفكرٍ، فضلًا عن استناده إلى وحي أو قياس مبني عليه، فاللام بمعنى في متعلقة بتقولوا وما موصولة، وقوله: {الْكَذِبَ} مفعول به لتقولوا؛ لأنه بمعنى تذكروا، وقوله: {هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} بدل منه، فالمعنى: لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام في شأن ما تصفه ألسنتكم بالحل والحرمة من غير استناد إلى دليل، فقدم عليه كونه كذبًا، وأبدل منه هذا حلال وهذا حرام مبالغةً في كذبهم، وفيه إيماءٌ إلى أنَّ ذلك مجرَّد وصف باللسان؛ لا حكم عليه، وفي الآية تنبيهٌ للقضاة


(١) زاده.
(٢) روح البيان.