للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمفتين كيلا يقولوا قولًا بغير حجة وبرهان.

وقال الكسائي والزجاج (١): {ما} هنا مصدريةٌ، وانتصاب الكذب بلا تقولوا؛ أي: لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم، ومعناه لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجةٍ ولا بينةٍ، وقرأ الحسن (٢) وابن عمر وطلحة والأعرج وابن أبي إسحاق وابن عبيد ونعيم بن ميسرة: {الكذب} بكسر الباء، وخرج على أن يكون بدلًا مِنْ {ما} والمعنى الذي تصفه ألسنتكم الكذب، وأجاز الزمخشري وغير أن يكون {الكذب} بالجر صفةً لما المصدرية، قال الزمخشري: كأنه قيل لوصفها الكذب بمعنى الكاذب، وقرأ معاذ وابن أبي عبلة وبعض أهل الشام: {الكُذُب} بضم الثلاثة صفة للألسنة، جمع كذوب، قال صاحب "اللوامح": أو جمع كاذب أو كذاب انتهى، وقال ابن عطية: وقرأ مسلمة بن محارب {الكُذَبَ} بفتح الباء على أنه جمع كذاب، ككتب في جمع كتاب، وقال صاحب "اللوامح": وجاء عن يعقوب الكُذُب بضمتين والنصب، فأما الضمتان فلأنه جمع كذاب وهو مصدر ومثله كتابٌ وكتبٌ.

والمعنى: أي (٣) ولا تقولوا هذا حلالٌ، وهذا حرام بالرأي والهوى، فلا تقولوا ما في بطون هذه الأنعام خالصةٌ لذكورنا ومحرمٌ على أزواجنا، ولا تحللوا الميتة والدم ولحم الخنزير إلخ.

وخلاصة ذلك: لا تحللوا ولا تحرموا لمجرد وصف ألسنتكم الكذب، وتصويرها له دون استناد إلى دليل، وكان ألسنتكم لأنها منشأ الكذب وينبوعه شخصٌ عالمٌ بحقيقته ومحيط بكنهه، يصفه للناس ويوضحه لهم أتم إيضاح، واللام في قوله: {لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} لام العاتبة، لا لام الغرض والعلة، لأن الافتراء لم يكن غرضًا، متعلقة بتقولوا؛ أي: ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لتكون عاقبة أمركم إسناد التحريم والتحليل إلى الله كذبًا، من غير أن يكون


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.