للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعنى وكينونتك (١) من أصحاب النار جزاؤك؛ لأنّك من جنس الظالمين؛ لانَّك ظالم في قتلي.

وقد سلك في عظته وجوهًا تأخذ بمجامع اللب، ويرعوي لها فؤاد المنصف، فقد تبرأ من كونه سببًا في حرمانه من تقبل القربان؛ لأن سبب التقبل عند الله هو التقوى، ثم انتقل إلى تذكيره بما يجب من خوف الده، ثم إلى تذكيره بأن المعتدي يحمل إثم نفسه، وإثم من اعتدى عليه، ثم إلى تذكيره بعذاب النار لأنَّها مثوى الظالمين؛ ثم أبان (٢) سبحانه وتعالى أنَّ المواعظ لم تجد فيه فتيلًا ولا قطميرًا، فماذا تغني الزواجر والعظات في نفس الحاسد الظالم؟ فقال:

٣٠ - {فَطَوَّعَتْ} وزينت {لَهُ}؛ أي: لقابيل {نَفْسُهُ} الأمارة بالسوء، وسهلت عليه {قَتْلَ أَخِيهِ} هابيل {فَقَتَلَهُ}؛ أي: أنَّه كان يهاب قتل أخيه، وتجبن فطرته دونه، وما زالت نفسه الأمارة تشجعه عليه حتى تجرأ وقتله عقب التطويع بلا تفكر ولا تدبر في العاقبة، والمشاهد بالاختبار من أحوال الناس أن من تحدثه نفسه بالقتل يجد من نفسه صارفًا، أو عدة صوارف تنهاه عن القتل، حتى تطوع له نفسه القتل بترجيح الفعل على الترك فحينئذ يقتل إنْ قدر.

قال ابن جريج (٣): لما قصد قابيل قتل هابيل لم يدرِ كيف يقتله، فتمثل له إبليس وقد أخذ طيرًا، فوضع رأسه على حجر، ثم رضخه بحجر آخر، وقابيل ينظر إليه، فعلم منه القتل، فوضع قابيل رأس هابيل بين حجرين وهو مستسلم صابر، وقيل: بل اغتاله وهو نائم فقتله. واختلف في موضع قتله، فقال ابن عباس .. على جبل نور وقيل: على عقبة حراء، وقيل: بالبصرة عند مسجدها الأعظم، وكان عمر هابيل يوم قتل عشرين سنة، ولكن هذا الكلام كله من الإسرائيليات التي لا مستند لها يوثق به. وقد تكلم (٤) المفسرون في أشياء من كيفية قتله، وعمره حين قتل، ولهم في ذلك اختلاف، ولم تتعرض الآية لشيء


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.
(٤) البحر المحيط.