للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إعدام جميع الموجودات من حيوان وغيره.

ولما نزلت هذه الآية قالت الملائكة: هلك بنو آدم، فلما نزلت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} أيقنوا بهلاك أنفسهم. فإن لهم أجسامًا لطيفة، وأرواحًا متعلقة بتلك الأجسام كأرواح الإنسان. وأما الأرواح المجردة المهيمنة العالية فلا تفنى.

٢٧ - {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}؛ أي: ذات ربك يا محمد أو أيها المخاطب. والوجه هنا بمعنى الذات, نظير قولهم: كرم الله وجهه؛ أي: ذاته. فالوجه عبارة عن العضو المعروف، استعير للذات؛ لأنه أشرف الأعضاء، ومجمع المشاعر، وموضع السجود، ومظهر آثار الخشوع.

قال القاضي: ولو استقريت جهات الموجودات، وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها، إلا وجه الله الذي يلي جهته، انتهى، أي: يلي مقصده، ويحتمل (١) أن يكون الوجه بمعنى القصد؛ أي: ويبقى كل ما يقصد، وينوى به الله سبحانه، وأن يكون بمعنى الجهة؛ أي: كل من عليها من الثقلين، وما اكتسبوه من الأعمال هالك منعدم إلا ما توجهوا به جهة الله، وعملوه ابتغاء لمرضاته.

وقوله: {ذُو الْجَلَالِ}؛ أي: ذو الاصتغناء المطلق أو ذو العظمة في ذاته وصفاته. ومعناه: الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه. {وَ} ذو {الْإِكْرَامِ}؛ أي: ذو الفضل التام، والطول العام، ومعناه: المكرم لأنبيائه وأوليائه وجميع خلقه بلطفه وإحسانه إليهم مع جلاله وعظمته، اهـ من "الخازن". صفة لوجه. وقرأ الجمهور {ذُو} بالواو صفة للوجه. وقرأ أبي، وعبد الله {ذي} بالياء صفة للرب. والظاهر: أن الخطاب في قوله: {وَجْهُ رَبِّكَ} للرسول - صلى الله عليه وسلم -. وفيه تشريف عظيم له - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: الخطاب لكل سامع. ومعنى {ذُو الْجَلَالِ} الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه، وعن أفعالهم، أو الذي يتعجب من جلاله، أو الذي عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده. قال الطيبي: كيف (٢) أفرد الضمير في قوله: {وَجْهُ رَبِّكَ}، وثناه في {رَبِّكُمَا} والمخاطب واحد؟

قلت: اقتضى الأول تعميم الخطاب لكل من يصلح للخطاب لعظم الأمر وفخامته، فيندرج فيه الثقلان اندراجًا أوليًا، ولا كذلك الثاني، فتركه على ظاهره.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.