سبحانه وتعالى، منعه من قبولها منه، مجازاة له على إخلافه ما عاهد الله عليه، وإهانةً له على قوله: إنما هي جزية، أو أخت الجزية، فلما صدر هذا القول منه .. ردت صدقته عليه، إهانة له، وليعتبر غيره به، فلا يمتنع من بذل الصدقة عن طيب نفس بإخراجها، ويرى أنها واجبة عليه ويثاب على إخراجها ويعاقب على منعها.
وفي "الخازن": وهذا أحد قولين في سبب نزولها، والآخر: أنه حاطب بن أبي بلتعة، قال ابن السائب: إنَّ حاطب بن أبي بلتعة، كان له مال بالشام، فأبطأ عليه، فجهد لذلك جهدًا شديدًا، فحلف بالله لئن آتاني الله من فضله، يعني ذلك المال .. لأصدقن منه، ولأصلن قرابتي، فلما آتاه ذلك المال .. لم يف بما عاهد الله عليه، فأنزل الله هذه الآية اهـ.
وحاصل ما في المقام: أن ظاهر الآية يدل على أن بعض المنافقين عاهد الله، لئن آتاه من فضله .. ليصدقن، وليفعلن فيه أفعال الخير والبر والصلة، فلما آتاه الله من فضله ما سأل .. لم يَفِ بما عاهد الله عليه، بلا تعيين واحد منهم.
وقال الإِمام فخر الدين الرازي: ظاهر هذه الآية يدل على أن نقض العهد، وخلف الوعد يورث النفاق فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه فإذا عاهد الله في أمر .. فليجتهد في الوفاء به.
٧٨ - وقوله:{أَلَمْ يَعْلَمُوا} رجوع لما سبق، في قوله: المنافقون والمنافقات، لا بقيد كونهم الذين عاهدوا الله، إذ الآيات الواردة في خصوص المعاهدين قد انقضت بقوله:{يَكذِبُونَ} والاستفهام فيه للتوبيخ والتقريع المضمن للإنكار.
وقرأ عليٌّ وأبو عبد الرحمن والحسن (١): {تَعْلَمُوا} بالتاء خطابًا للمؤمنين على سبيل التقرير؛ أي: ألم يعلم المنافقون {أنَّ الله} سبحانه وتعالى {اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ}؛ أي: جميع ما يسرونه من النفاق {وَنَجْوَاهُمْ}؛ أي: جميع ما يتناجون به ويتحدثونه فيما بينهم، من الطعن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه وعلى دين