للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنافقين، إخلاف الوعد، والكذب، فقال: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} والباء فيه وفيما بعده للسببية؛ أي: فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم، بسبب إخلافهم وتركهم لما وعدوه من التصدق والصلاح {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وقرأ أبو رجاء: {يكذِّبُونَ} بالتشديد؛ أى: وبسبب تكذيبهم بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: أنَّ سنة الله في البشر قد جرت بأن العمل بما يقتضيه النفاق يمكن النفاق في القلب ويقويه، كما أن العمل بمقتضى الإيمان يزيد الإيمان قوةً ورسوخًا في النفس. وهكذا جميع الأخلاق والعقائد، تقوَّى وترسَّخ بالعمل الذي يصدر منها، فهؤلاء لما كان قد رسخ في قلوبهم خلف الوعد واستمرار الكذب .. مكن ذلك النفاق في قلوبهم، بمقتضى سننه وتقديره.

أخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية، أن رجلًا من الأنصار، يقال له: ثعلبة، أتى مجلسًا، فأشهدهم، قال: لئن آتاني الله من فضله .. آتيت كل ذي حق حقه، وتصدقت، وجعلت منه للقرابة، فابتلاه الله، فآتاه من فضله، فأخلف ما وعده، فأغضب الله بما أخلفه ما وعده، فقص الله تعالى شأنه في القرآن اهـ.

وكان (١) ثعلبة في ابتداء أمره صحيح الإِسلام، لكنه صار منافقًا في آخر أمره، فصح كونه من المنافقين، اهـ شيخنا.

وفي "الشهاب" قيل: كان ثعلبة قبل ذلك ملازمًا لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقب بحمامة المسجد، ثم رآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يسرع الخروج من المسجد عقب الصلاة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما لك تفعل فعل المنافقين؟ "فقال: إني افتقرت ولي ولامرأتي ثوب واحد، أجيء به للصلاة، ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلي به، فادع الله أن يوسع في رزقي ... إلى آخر ما في القصة اهـ.

قال بعض العلماء (٢): إنما لم يقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة ثعلبة لأن الله


(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.