للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأنهار، وفي الغدران، وفي أجسام النبات والحيوان والإنسان؛ ليذكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيشكروا, ولكن أكثر الناس أبوا إلّا جحودًا للنعمة، وكفرانًا بخالقها.

٥١ - ثم بين منّته على رسوله، وأنه كلفه الأحمال الثقال من أعباء النبوة؛ ليزداد شرفًا ويعظم قدرًا، فقال: {وَلَوْ شِئْنَا}؛ أي: ولو (١) أردنا أن نرسل رسولًا إلى أهل كل قرية {لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا}؛ أي: لأرسلنا في كل مصر ومدينة نذيرًا؛ أي: نبيًا ينذر أهلها، وخفت عنك أعباء النبوة، ولكن بعثناك إلى القرى كلها، وحمّلناك ثقل النذارة؛ لتستوجب بصبرك ما أعددناه لك من الكرامة والمنزلة الرفيعة، فقابل ذلك بشكر النعمة، وبالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق، كما قال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، وثبت في "الصحيحين": "بعثت إلى الأحمر والأسود"؛ أي: إلى العجم والعرب.

والخلاصة: أنا عظّمناك بهذا الأمر، وجعلناك مثقلًا بأعبائه؛ لتحوز ما ادخر لك من عظيم جزائه وكبير مثوبته، فعليك بالمجاهدة والمصابرة، ولا عليك من تلقيهم الدعوة بالإعراض والمشاكسة

٥٢ - {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ}؛ أي: لا توافقهم فيما ندبوك إليه من عبادة الآلهة واتباع دين الآباء، وأغلظ عليهم ولا تداهنهم، واثبت على الدعوة وإظهار الحق {وَجَاهِدْهُمْ}؛ أي: جادلهم ودافعهم عن الدين الحق {بِهِ}؛ أي: بالقرآن؛ أي: بتلاوة ما في تضاعيفه من المواعظ وتذكير أحوال الأمم المكذبة لرسلها {جِهَادًا كَبِيرًا}؛ أي: عظيمًا تامًا شديدًا، لا يخالطه فتور، فإن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف. وإنما لم يحمل المجاهدة على القتال بالسيف؛ لأنه إنما ورد الإذن فيه بعد الهجرة بزمان، والسورة مكية، قال بعضهم: ويجوز أن يكون الجهاد بالألسنة بترك المداهنة في حقهم وإغراء الناس على دفع فسادهم، كما أن الجهاد بالأموال بالدفع إلى من يحاربهم ويستأصلهم.


(١) المراغي.