الطهور الذي هو المطر، فالمعنى عليه؛ أي: وعزتي وجلالي {لَقَدْ صَرَّفْنَاهُ}؛ أي: فرقنا المطر بينهم بإنزال له في بعض البلاد والأمكنة دون غيرها، أو في بعض الأوقات دون بعض، أو على صفة دون أخرى بجعله تارة وابلًا وهو المطر الشديد، وأخرى طلا وهو المطر الضعيف، ومرة ديمة وهو المطر الذي يدوم أيامًا {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ} إلّا جحودًا للنعمة، وكفرًا بالله تعالى بأن يقولوا: مطرنا بنوء كذا؛ أي: بسقوط كوكب كذا، كما يقول المنجمون، فجعلهم الله سبحانه بذلك كافرين، حيث لم يذكروا صنع الله تعالى ورحمته، بل أسندوا مثل هذه النعمة إلى الأفلاك والكواكب، فمن لا يرى الأمطار إلّا من الأنواء فهو كافر بالله بخلاف من يرى أن الكل بخلق الله تعالى.
والأنواء أمارات بجعل الله تعالى، والأنواء النجوم التي يسقط واحد منها في جانب المغرب وقت طلوع الفجر، ويطلع رقيبه في جانب المشرق من ساعته، والعرب كانت تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، وقيل: إلى الطالع منها؛ لأنّه في سلطانه. وقيل: الضمير راجع إلى القرآن، والمعنى: ولقد كررنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ليذكروا به، ويعتبروا بما فيه، فأبى أكثرهم إلّا كفورًا به. وقيل: راجع إلى الريح. وقرأ عكرمة (١): {صَرَفناه} مخففًا، وقرأ الباقون بالتثقيل. وقرأ حمزة والكسائي {ليَذْكُروا} مخففة الذال من الذكر، وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر.
ومعنى الآية: وعزتي وجلالي لقد صرفنا المطر بين الناس على أوضاع شتى، فلا تمر ساعة في ليل ولا نهار إلَّا كان فيه دليل على آثار قدرتنا، فننزله على قوم ونحجبه عن آخرين، فنحن صرفناه بينهم، كما صرّفنا الليل والنهار، فالشمس تجري من عند قوم، وتذهب إلى الآخرين {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}؛ أي: إلا أن الماء قد يكون جامدًا يشبه الحجر، وسائلا يشبه الزيت وسائر المائعات، وحينًا بخاريًا يشبه الهواء، وهو أيضًا غاد ورائح في الجو، وفي