للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفهري، وابن أبي عبلة، وزيد بن علي بالتاء فيهما على الخطاب. ورُويت عن أبي عبد الرحمن والمعنى: أصلاتك تأمرك أن تَفْعَلَ أنت في أموالنا ما تشاء. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة: {نفعل} بالنون، {ما تشاء} بالتاء على الخطاب. ورُويت عن ابن عباسٍ، والمعنى: أصلاتك تأمرك أن نَفْعَلَ نحن في أموالنا ما تشاؤه أنت، وندع ما نشاؤه نحن، وما يجري به التراضي بيننا. والحاصل: أنَّ مَنْ قرأ بالنون فيهما فقَوْله: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ} معطوف على قوله: {مَا يَعْبُدُ}؛ أي: أن نتركَ ما يعبد آباؤنا وفعْلنا في أموالنا ما نشاء. ومن قرأ بالتاء فيهما أو بالنون فيهما، فمعطوفٌ على {أَنْ نَتْرُكَ}؛ أي: تأمرك بترك ما يعبد آباؤنا، وفعلِك في أموالنا ما تشاء أو فعلِنا في أموالنا ما نشاء، و (أو) للتنويع، أي: تأمرك مرَّةً بهذا، ومرَّةً بهذا. وقيل: بمعنى الواو كما مر، والظاهر أن الذي كانوا يفعلونه في أموالهم هو بخس الكيل والوزن المقدم ذكره، ذكره أبو حيان في "البحر". ثم أتبعوا ذَلِك بما يدلُّ على السخرية، والهَزْءِ به فقالوا: {إِنَّكَ} يا شعيب {لَأَنْتَ الْحَلِيمُ}؛ أي: الأحمق {الرَّشِيدُ}؛ أي: السفيه بلغة مدين كما في "ربيع الأبرار"؛ أي: أنت ذُو الجهالة والسفاهة في الرأي والغواية في الفعل، بهوس الصلاة، لكنهم عكسوا القضية، تهكمًا واستهزاءً، كما يقال للبخيل: لو رآك حاتم، لاقتدى بك حاتم في سخائك، وللمستجهل، والمستخف فيقال: يا عالم، يا حليم، فهو إذًا (١) من قبيل الاستعارة التبعية، نزلوا التضادَ منزلةَ التناسب على سبيل الهزء، فاستعاروا الحِلم والرشد للسفه والغواية، ثُمَّ سَرَتِ الاستعارة منهما إلى الحليم الرشيد. وقيل: إنهم قالوا ذلك، لا على طريقة الاستهزاء، بل هو عندهم كذلك، وأنكروا عليه الأمر والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم؛ أي: كنتُ عندنا مشهورًا بأنك حليم رشيد، فكيف تنهانا عن دين ألفيناه من آبائنا.

٨٨ - {قَالَ} شعيب {يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ}؛ أي: أخبروني {إِنْ كُنْتُ} إيرادُ حرف الشك باعتبار حال المخاطبينَ {عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي}؛ أي: حجة واضحة، وبرهان نير من


(١) روح المعاني.