قوله:{مِنْ أَهْلِكَ} منقبةٌ عظيمةٌ لعائشة رضي الله عنها؛ لأنه تعالى نصَّ على أنها من أهله.
حالة كونك {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: تقصد أن تبوئهم وتنزلهم وتهىء لهم {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}؛ أي: أماكن ومراكز ومثابت يثبتون فيها لقتال عدوهم المشركين، مراكز للرماة، ومراكز للفرسان، ومراكز لسائر المؤمنين، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} لأقوالكم؛ أي: لما يقول المؤمنون لك فيما شاورتهم فيه من موضع لقائك عدوك وعدوهم، كقول من قال: اخرج بنا إليهم حتى نلقاهم في خارج المدينة، وقول من قال: لا تخرج إليهم وأقم بالمدينة حتى يدخلوها علينا، وسميع لما تشير به أنت عليهم، {عَلِيمٌ} بأصلح تلك الآراء لك ولهم، وبنية كل قائل، من أخلص منهم في قوله، وإن أخطأ في رأيه كالقائلين بالخروج إليهم، ومن لم يخلص في قوله، وإن كان صوابًا كعبد الله بن أبي، وأصحابه من المنافقين.
١٢٢ - {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ}؛ أي: واذكر يا محمَّد أيضًا حين همت وقصدت جماعتان منكم أيها المؤمنون بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج، وكانا جناحي عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدغم السبعة تاء التأنيث في الطاء، وعن قالون خلافٌ في ذلك {أَنْ تَفْشَلَا}، أي: بأن تضعفا وتجبنا وترجعا عن القتال حين رأوا انخذال عبد الله بن أبي، ومن معه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة مع تسع مئة وخمسين، ووعدهم النصر إن صبروا، فلما بلغوا عند جبل أحد انعزل ابن أبي المنافق، مع ثلاثمائة من أصحابه المنافقين، وقال: يا قوم: لأي شيء نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاريُّ وأبو جابر السلمي، وقالا: نسألكم بالله في حفظ نبيكم وأنفسكم أي فإنكم إن رجعتم فاتتكم نصرة نبيكم وفاتتكم وقاية أنفسكم من العذاب لتخلفكم عن نبيكم، فقال عبد الله بن أبي: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم، فهم الطائفتان باتباع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله، فثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا الهم لم يكن عزيمةً ممضاة، ولكنها كانت حديث النفس، وقلما تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع، فإن ساعدها صاحبها ذم، وإن ردها إلى