في شيء منكوسًا يتعذر خروجه منه، فهم يريدون أن يأمنوا جانب المسلمين، إما بإظهار الإِسلام، وإما بالعهد على السلم وترك القتال، ثم يفتنهم المشركون؛ أي: يحملونهم على الشرك أو على مساعدتهم على قتال المسلمين، فيرتكسون ويتحولون شرَّ التحول معهم، وهكذا يفعلون ذلك المرة بعد المرة، فهم مردوا على النفاق، وهم (١) قوم من أسد وغطفان، كانوا مقيمين حول المدينة، فإذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا وقالوا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا على دينكم ليأمنوا من قتال المسلمين، وإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا من قومهم، حتى كان الرجل منهم يقول له قومه: بماذا أسلمت، فيقول: آمنت بهذا القرد وبهذا العقرب والخنفساء. وقرأ ابن وثاب والأعمش:{ردوا} بكسر الراء لما أدغم نقل الكسرة إلى الراء، وقرأ عبد الله:{ركسوا} بضم الراء من غير ألف مخففًا، وقال ابن جني عنه: بشد الكاف.
وقد بين الله تعالى حكمهم بقوله {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ}؛ أي: فإن لم يتركوا قتالكم، {و} لم {يلقوا إليكم السلم}؛ أي: لم يطلبوا منكم الصلح، {و} لم {يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ} عن قتالكم {فَخُذُوهُمْ} بالأسر {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}؛ أي: في أي محل وجدتموهم فيه من حل أو حرم، فلا علاج لهم غير ذلك، كما ثبت بالتجارب والاختبار، {وَأُولَئِكُمْ} الموصوفون بهذه الصفة {جَعَلْنَا لَكُمْ} أيها المؤمنون {عَلَيْهِمْ}؛ أي: على جواز قتلهم {سُلْطَانًا مُبِينًا}؛ أي: حجة واضحة وبرهانًا ظاهرًا، وهي ظهور عداوتهم، وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإِسلام، أو جعلنا لكم عليهم تسلطًا ظاهرًا، حيث أذنَّا لكم في أخذهم وقتلهم،
٩٢ - {وَمَا كَانَ} ينبغي، {لِمُؤْمِنٍ} ولا يليق به ولا يصح {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} بغير حق {إِلَّا خَطَأً}؛ أي: إلا حالة كونه مخطئًا في قتله؛ أي: ليس المؤمن كالكافر الذي تقدم في إباحة دمه، فحينئذ لا يليق بمؤمن قتل مؤمن في حال من الأحوال، إلا في حالة كونه ملتبسًا بخطأ، بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه، أو ملتبسًا بشبه عمد كان ضربه بما لا يقتل غالبًا، كالعصا