للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أهلكنا من القرون الماضية، من أصحاب الحجر، وثمود، وقرى قوم لوط، وجملة (١) قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} تعليل للإنكار، وتقرير للهداية، والإشارة بقوله: {ذَلِكَ} إلى مضمون قوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا} إلى آخره.

والنُّهى: جمع نهيةٍ، وهي العقل، والمعنى: إن في ذلك الإهلاك بالعذاب، لعبرًا كثيرةً، ودلالاتٍ واضحةً على الحق، لأصحاب العقول الكاملة الناهية عن القبائح.

١٢٩ - {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ}؛ أي: ولولا الكلمة السابقة من ربك، والحكم الأزلي منه، بتأخير العذاب عن هذه الأمة؛ أي: أمة الدعوة، إلى الدار الآخرة، والمراد بتلك الكلمة (٢): العِدَةُ من الله بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة، لحكمة تقتضيه، يعني: أن الكلمة إخبار الله ملائكته، وكتبه في اللوح المحفوظ: أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن كذبوا فسيؤخرون، ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال، لعلمه أن فيهم من يؤمن، ولو نزل بهم العذاب .. لعمهم الهلاك {لَكَانَ} عذاب ذنوبهم {لِزَامًا}؛ أي: لازماً لهم، لا ينفك عنهم بحال، ولا يتأخر عنهم ساعةً، لزوم ما نزل بأولئك الغابرين عند تكذيبهم رسلهم، واللِّزَام: مصدر لازم الرباعي، من باب فاعل كقاتل، وُصف به للمبالغة، وقوله: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى} معطوف على {كَلِمَةٌ} قاله الزجاج وغيره، والفصل (٣) للإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب، ولمراعاة فواصل الآي؛ أي: ولولا أجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم، وهو يوم القيامة، أو يوم بدر .. لكان عذاب جناياتهم لازماً لهم، ولما تأخر عنهم ساعةً.

قيل (٤): ويجوز عطف {وَأَجَلٌ مُسَمًّى} على الضمير المستتر في {كان} العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق، تنزيلًا للفصل بالخبر منزلة التأكيد، والتقدير {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ} الأخذ العاجل {لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى}


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.