{لَكُمْ} أيها المشركون {ضَرًّا} ولا نفعًا، ولا أملك لكم غيّا {وَلَا رَشَدًا}؛ أي: هدايةً، أي: ليس هذا كله بيدي بل بيد الله تعالى، فإنه هو الضارّ النافع الهادي المضلّ، فترك من كلا المتقابلين ما ذكر في الآخر فالآية فيها من المحسنات البديعية الاحتباك، وهو الحذف من كل متقابلين ما يدل عليه الآخر.
والمعنى: أي قل أيها الرسول لأولئك المشركين الذين ردّوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إنّي لا أملك لكم ضرًّا في دينكم ولا دنياكم، ولا نفعًا أجلبه لكم، إنما الذي يملك ذلك كله هو الله الذي له ملك كلّ شيء، وهو القادر على ذلك وحده، وكأنه عليه السلام أمر أن يقول ما أردت إلا نفعكم فقابلتموني بالإساءة، وليس في استطاعتي النفع الذي أردت، ولا الضر الذي أكافئكم به إنّما ذان لله تعالى. وفي هذا تهديد عظيم لهم، وتوكل على الله عزّ وجلّ، وإنه هو الذي يجزيه بحسن صنيعه، ويجزيهم بسوء صنيعهم. وفيه إيماء إلى أنه لا يدع التبليغ لتظاهرهم عليه.
٢٢ - ثم بين عجزه عن شؤون نفسه بعد عجزه عن شؤون غيره، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين: {إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي}؛ أي: لن ينقذني، ويخلِّصني {مِنَ اللَّهِ}؛ أي: من قهره وعذابه .. إن خالفت أمره وأشركت به {أَحَدٌ} من المخلوقات إن استنقذته، أو لن ينجيني منه أحد إن أرادني بسوء قدره عليّ من مرض أو موت أو غيرهما.
قال بعضهم: هذه لفظة تدلّ على الإخلاص في التوحيد؛ إذ التوحيد هو صرف النظر إلى الحقّ لا غير، وهذا لا يصح إلا بالإقبال على الله، والإعراض عمّا سواه والاعتماد عليه دون ما عداه.
{وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ} تعالى {مُلْتَحَدًا}؛ أي: ملجأً ومعدلًا وحرزًا وممالًا. ويقال للملجأ: ملتحد لأن اللاجيء يميل إليه، والمعنى: ولن أجد عن الشدائد ملجأً غيره تعالى وموئلًا ومعدلًا فلا ملجأ ولا موئل ولا معدل إلا هو سبحانه وتعالى. وهذا بيان لعجزه عن شؤون نفسه بعد بيان عجزه عن شؤون غيره؛ أي: وإذ لا أملك لنفسي شيئًا، وكيف أملك لكم شيئًا؟.