الحريصون على الحياة الذين يتمتعون باللذات والشهوات.
فما أجدّ المؤمنين أن يؤثروا مغفرة الله ورحمته على الحظوظ الفانية، وأن لا يتحسروا على من يقتل منهم، أو يموت في سبيل الله، فإن ما يلقونه بعدهما خيرٌ لهم مما كانوا فيه قبلهما، ثم حثهم على العمل في سبيل الله تعالى؛ لأن المآل إليه فقال.
١٥٨ - {وَلَئِنْ مُتُّمْ} في حضرٍ أو سفر، {أَوْ قُتِلْتُمْ} في الجهاد أو غيره {لَإِلَى اللَّهِ} معبودكم الذي توجهتم إليه وبذلتم مهجتكم لوجهه الرحيم الواسع الرحمة والمغفرة المثيب العظيم الثواب لا إلى غيره، لا محالة {تُحْشَرُونَ} وتجمعون أيها المؤمنون في الحالين، فيوفى جزاءكم، ويعظم ثوابكم، فجميع العالمين يوقفون في عرصة القيامة، وبساط العدل، فيجتمع المظلوم مع الظالم، والمقتول مع القاتل والله تعالى يحكم بين عباده بالعدل.
والمعنى: أنكم بأيّ سببٍ كان هلاككم فإنكم إلى الله تحشرون، لا إلى غيره، فيجازي كلًّا منكم بما يستحق من الجزاء، فيجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، ولا يرجى من غيره ثوابٌ، ولا يتوقع منه دفع عقاب، فآثروا ما يقربكم إليه، ويجلب لكم رضاه من العمل بطاعته، وعليكم بالجهاد في سبيله، ولا تركنوا إلى الدنيا ولذاتها، فإنها فانيةٌ، وتلك الحياة الأخرى باقيةٌ، خالدة، فقوله تعالى:{لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ} إشارة: إلى من يعبده خوفًا من عقابه، وقوله:{وَرَحْمَةٌ} إشارةٌ إلى من يعبده لطلب ثوابه، وقوله:{لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} إشارة: إلى من يعبده لمجرد الربوبية، والعبودية، وهذا أعلى المقامات، وأبعد النهايات في العبودية، في علو الدرجة، فهؤلاء الذين بذلوا أنفسهم وأبدانهم في طاعة الله، ومجاهدة عدوه يكون حشرهم إليه واستئناسهم بكرمه، وتمتعهم بشروق نور ربوبيته.