لكن إذا أذن له فيه نطق. ففائدة ذلك نفي هذا المعنى؛ أي: لا ينطقون ابتداء بعذر ولا بعد الإذن.
فإن قلت: ما ذكر ينافيه ما دل عليه قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} من وقوع الاعتذار منهم.
قلت: لا ينافيه؛ لأنّ يوم القيامة يوم طويل، فيعتذرون في وقت ولا يعتذرون في آخر. والجواب: بأن المراد بتلك الآية الظالمون من المسلمين وبما هنا الكافرون ضعيف، لتعقيب تلك الآية بقوله تعالى:{وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} انتهى.
٣٨ - {هَذَا} اليوم الذي شاهدتم أهواله وأحواله {يَوْمُ الْفَصْلِ} بين الحقّ والباطل. والجملة على تقدير القول؛ أي: يقال للمكذبين: هذا اليوم يوم يفصل فيه بين الخلائق، ويتميّز فيه الحقّ من الباطل، فيؤتى كل عامل جزاء عمله من ثواب وعقاب، ويفصل بين العباد بعضهم مع بعض، فيقتصّ من الظالم للمظلوم وتردّ له حقوقه. {جَمَعْنَاكُمْ} يا أمّة محمد {وَالْأَوَّلِينَ} من الأمم الماضية. وهذا تقرير وبيان للفصل؛ إذ الفصل بين المحقّ والمبطل والرسل لا يستحق إلا بجمع الكل، فلا بد من إحضارهم لا سيما عند من لا يجوز القضاء على الغائب.
أي:(١) جمعنا بينكم وبين من تقدمكم من الأمم في صعيد واحد ليمكن الفصل بينكم، فيقضى لهذا على هذا، ولولا ذلك الجمع .. ما أمكن؛ إذ لا يقضى على غائب.
٣٩ - {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ} أيّها المكذّبون {كَيْدٌ} في هذا اليوم، كما كان لكم في الدنيا ما تكيدون به دين الله وأولياءه؛ أي: حيلة تدفعون بها عنكم العذاب. والظاهر: أن هذا خطاب من الله للكفار. {فَكِيدُونِ} اليوم، أصله: فيكيدوني حذف ياء المتكلم اجتزاء عنها بالكسرة والنون للوقاية، وهو أمر من كاد يكيد كيدًا، وهو المكر والاحتيال والخديعة. والمعنى: واحتالوا لأنفكسم، وتخلصوا من عذابي إن قدرتم، فإن جميع من كنتم تقلّدونهم وتقتدون بهم حاضرون.