ثم تكون دعاويهم منقطعة يوم القيامة، لا يدعي مدع مُلكًا ومِلكًا يومئذ، ولذا قال - سبحانه وتعالى -: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}.
والمعنى على الأول: أي يقول الرب تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد، فيجيب سبحانه، فيقول {لِلَّهِ}؛ أي: هو {لِلَّهِ الْوَاحِدِ} في ذاته وصفاته وأفعاله، الذي لا مثل له ولا ند {الْقَهَّارِ} لكل شيء سواه بقدرته، الغالب بعزته.
١٧ - وبعد أن ذكر صفات قهره في ذلك اليوم .. أردفها ببيان صفات عدله وفضله، فقال:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} من تمام الجواب على القول: بأن المجيب هو الله سبحانه، وأما على القول بأن المجيب هم العباد كلهم أو بعضهم، فهو مستأنف لبيان ما يقوله الله سبحانه بعد جوابهم؛ أي: يقول الله سبحانه في هذا اليوم الرهيب: تجزى كل نفس من النفوس المكلفة، برةً أو فاجرةً بما كسبت من خير أو شر، لا ظلم اليوم على أحد منهم بنقص ثواب، أو زيادة عذاب.
والمعنى: أي اليوم يثاب كل عامل بعمله فيلاقي أجره، ففاعل الخير يجزى الخير، وفاعل الشر يجزى بما يستحق، ولا يبخس أحد ما استوجبه من أجر عمله في الدنيا، فينقص منه إن كان محسنًا، ولا يحمل على مسيء إثم ذنب لم يعمله.
روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيما يحكيه عن ربه - عزَّ وجلَّ -: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظَّالموا" إلى أن قال: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا .. فليحمد الله تبارك وتعالى، ومن وجد غير ذلك .. فلا يلومن إلا نفسه".
ثم بين سبحانه أنه يصل إلى الخلق في ذلك اليوم ما يستحقون بلا إبطاءٍ، فقال:{إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى سريع حسابه لعباده على أعمالهم التي عملوها في الدنيا، فيحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسًا واحدة، لإحاطة علمه بكل شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرة، ويصل إليهم ما يستحقونه سريعًا، فالجملة: تعليل لقوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ} إلخ. فإن كون ذلك اليوم بعينه يوم التلاق ويوم البروز، ربما يوهم استبعاد وقوع الكل فيه.