للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي تشيب من هوله الولدان.

٥٧ - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أي: أصروا على ذلك، واستمروا. {فَأُولَئِكَ} مبتدأ خبره جملة قوله: {لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}؛ أي: عذاب ذو إهانة، يذهب بعزهم وكبرهم رأساً، وبالكلية، ويلحقهم من الخزي والصغار ما لا يحيط به الوصف، و (١) إدخال الفاء في خبر الثاني، دون الأول، تنبيه على أن إثابة المؤمنين بطريق التفضل، لا لإيجاب الأعمال الصالحة إياها وأن عقاب الكافرين بسبب أعمالهم السيئة.

والمعنى: أي (٢) والذين كفروا بالله وكذبوا رسوله، وجحدوا بآيات كتابه، وقالوا إنما هو إفك افتراه محمد، وأعانه عليه قوم آخرون، أولئك لهم عذاب عند ربهم، يذلهم، ويخزيهم، كفاء استكبارهم عن النظر فيها، وجحودهم بها عنادًا، وقد كان لهم فيها - لو تأملوا حق التأمل - ما يكون صادًا لهم عن غيهم، ورادعا لهم عن ضلالهم.

واعلم (٣): أن الفصل والحكومة العادلة كائن لا محالة، وإن كان الكفار في شك من القرآن، وما نطق به من البعث، والمجازاة. روي أن لقمان وعظ ابنه وقال: يا بني إن كنت في شك من الموت فادفع عن نفسك النوم، ولن تستطيع ذلك، وإن كنت في شك من البعث، فإذا نمت فادفع عن نفسك الانتباه، ولن تستطيع ذلك، فإنك إذا فكرت في هذا، علمت أن نفسك بيد غيرك، فإن النوم بمنزلة الموت، واليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت، فإذا عرف العبد مولاه قبل أمره، ونال به عزة لا تنقطع أبدًا، وهي عزة الآخرة التي تستصغر عندها عزة الدنيا.

وروي أن عابدًا رأى سليمان عليه السلام، في عزة الملك فقال: يا ابن داود لقد آتاك الله ملكًا عظيمًا. فقال سليمان: لتسبيحة واحدة خير مما فيه سليمان تبقى، وملك سليمان يفنى. فإذا كانت التسبيحة الواحدة أفضل من ملك


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.