فإنهم آثمون بالتخلف؛ لأن القتال كان مفروضًا عليهم إذ ذاك، فإن فرضه في السنة الثانية، وهذه القضية في السنة الرابعة، كما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة، فلما بلغ الميعاد .. دعا الناس إلى الخروج، فكرهه بعضهم، فنزلت هذه الآية.
وفي الآية إيماء إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كلف قتال الكافرين الذين قاوموا دعوته بقوتهم وبأسهم، وإن كان وحده، كما أنه تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطي من الشجاعة ما لم يعطَ أحد من العالمين، وفي سيرته الشريفة أصدق الأدلة على ذلك، فقد تصدى لمقاومة الناس جميعًا، بدعوتهم إلى ترك ما هم عليه من الضلال، وحين قاتلوه قاتلهم، وقد انهزم عنه أصحابه في أحد، فبقي ثابتًا كالجبل لا يتزلزل. {عَسَى اللَّهُ}؛ أي: حقق الله سبحانه وتعالى {أَنْ يَكُفَّ} ويمنع ويصرف عنك {بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: شدتهم وصولتهم وشوكتهم، وقد فعل ذلك بإلقاء الرعب في قلب أبي سفيان حين تخلف عن الخروج إلى الموعد، {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَشَدُّ بَأسًا}؛ أي: أقوى أخذًا وصولة وسلطة، من الذين كفروا، {وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}؛ أي: أشد عقوبة وتعذيبًا منهم.
والمعنى: لا تخافوا بأس هؤلاء الكافرين وشدتهم، ولا يصدنكم ذلك عن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والعمل بتحريضه، فإن الله تعالى الذي وعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنصر أشد منهم بأسًا، وأشد منهم تنكيلًا، وقد جرت سنته أن تكون العاقبة للمتقين، ما استمسكوا بأوامره وتركوا نواهيه، وأعدوا العدة مع الصبر والثبات والتباعد عن أسباب الخذلان والفشل.
٨٥ - {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً}؛ أي: من يشفع بين الناس شفاعة موافقة للشرع {يَكُنْ لَهُ}؛ أي: لذلك الشافع {نَصِيبٌ} وحظ من الأجر {مِنْهَا}؛ أي: بسببها، وقد بين النصيب في حديث:"من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب .. استجيب له، وقال الملك: ولك مثل ذلك". {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً}؛ أي: مخالفة للشرع {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}؛ أي: نصيب من الوزر بسببها.