للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والغرض من هذه الآية (١): بيان أنه - صلى الله عليه وسلم - لما حرّضهم على الجهاد .. فقد استحق بذلك التحريض أجرًا عظيمًا، ولو لم يقبلوا أمره - صلى الله عليه وسلم - .. لم يرجع إليه من عصيانهم شيء من الوزر، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - بذل الجهد في ترغيبهم في الطاعة، ولم يرغبهم في المعصية البتة، فحقًّا يرجع إليه من طاعتهم أجر، ولا يرجع إليه من معصيتهم وزر؛ فإن الشفاعة هي التوسط بالقول في وصول شخص إلى منفعة دنيوية أو أخروية، أو إلى خلاص من مضرة، كذلك من الشفع كان المشفوع له كان فردًا فجعله الشفيع شفعًا.

وقال المراغي قوله تعالى: {منْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}؛ أي: من (٢) يجعل نفسه شفيعًا وزوجًا لك، ويناصرك في القتال، وقد أمرت به وحدك .. يكن له من شفاعته نصيب بما يناله من الفوز والشرف والغنيمة في الدنيا، عندما ينتصر الحق على الباطل، بما يناله من الثواب في الآخرة في جميع الحالات، سواء أدرك النصر في الدنيا أم لم يدرك.

ووصف الشفاعة بالحسنة لأنها تأييد ونصر للحق، ومثل هذا كل من يعاون فاعل الخير ويساعده، {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}؛ أي: ومن ينضم إلى عدوك فيقاتل معه، أو يخذل المؤمنين عن قتاله .. يكن له نصيب من سوء العاقبة، بما يناله من الخذلان في الدنيا، والعقاب في الآخرة، وهذه هي الشفاعة السيئة؛ لأنها إعانة على السيئات، وسمى هذا النصيب كفلًا؛ لأنه نصيب مكفول للشافع إذ هو أثر عمله، أو محدود لأنه على قدره.

والخلاصة: أن من ينضم إلى غيره معينًا له في فعل حسن .. يكن له منه نصيب، ومن ينضم إلى غيره معينًا له في فعل سيء .. ينله منه سوء وشدة.

ويدخل في الآية شفاعة الناس بعضهم لبعض، وهي قسمان: حسنة وسيئة، فالحسنة: أن يشفع الشافع لإزالة ضرر ورفع مظلمة عن مظلوم، أو جر منفعة إلى مستحق ليس في جرها إليه ضرر ولا ضرار.


(١) المراح.
(٢) المراغي.